” السهل والحَزْن ” بقلم : علي محمد قاسم
هما كلمتان متضادتان، الأولى تعني ما انخفض من الأرض، والثانية تعني ما ارتفع منها، وقد وردتا في دعاء نبوي هو قوله عليه الصلاة والسلام:(اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا، وأنت تجعل الحَزْن إذا شئت سهلا).
لا أبالغ إذا قلت إن شؤون حياتنا كلها، بين هاتين الكلمتين، ولكل إنسان نصيب مفروض يناله من سهول وحزون، والنفس الإنسانية لا شك تميل إلى السهل، وتنفر من الحزن.
أعترف أن السهل مطلب فيه خير للنفس، وتأمل أن تلقاه يصافحها أينما ولت وسارت وسعت، إذ في السهل راحة عاجلة، والنفس مولعة بحب العاجل، كما قال الشاعر، ولكن يجب الاعتراف أيضا، أن السهل يغرُّ ويخدع، كلمع البرق في السماء، لا يسمح وميضه لاستنارت الواقع، واستكشاف الحقائق، والبروق قد تتعاقب مع جلجلة الرعود، ولكن دون أن تَرْدفها الأمطار، التي ينتظر التراب سقياها.
السهل ينفع النفس، ولكنه نفع سريع لا يلبث أن يزول، دون أن يُعقِب في النفس أطيب الآثار وأبقاها، إنه كالسكر يحلو به طعم الحياة، ويذيقنا ألذ المذاق، غير أنه قد يضر بشكل ما، من حيث لا نشعر.
أما الحَزْن، لو نظرنا إليه نظرة الحكيم، فهو يمرّن قوى النفس، ليشتدَّ عودها، وتصلبَ أغصانها، حتى تكون أهلا لمواجهة مكاره الحياة، وتحمل تكاليفها، والثبات عندها ثباتَ الأشجار الباسقات، على كر الزوابع والأعاصير، والرجولة لا تظهر إلا عند الشدائد.
والحَزْن هو الذي يعلم النفس الصبر، ويحملها عليه، وهو خير مركب تجتاز به مصاعب الحياة، والنفسُ قوية، قد صنعت بذراعها نصرها المبين، والحَزْن أيضاً هو الذي يجعل للحياة قيمةً ومتعة وإثارة.
على أننا نسأل الله، خيرَ مسؤول، أن تسهل حياتنا، سهولة ترفع عن كواهلنا آصار الحَزْن، أن تسهل بعضَ السهولة، لأن كلَّ السهولة لا خير فيه، بل تضر على نحو ما أسلفنا.
الحقيقة أن الحَزْن صعوبة، والصعوبات ولا سيما إذا ترادفت، تجلب الأحزانَ الحديثَ منها والقديم، وتدفع النفس دفعا إلى اجترار ماضيها من الأحزان والمواقف الأليمة، التي اصطلت بها نيران العقوق والظلم. أعاننا الله على النسيان، ولا مستحيل عليه سبحانه، وجعل لنا حظوظاً من السهل، تنسينا عنت الدهر، وتصوننا عن استذكار الأحزان، وعن مذلة اليأس، إنه هو الرحمن الرحيم.
الخلاصة، أن السهل الكامل لا يكون، وإن كان فما فيه خير، وهو إنما يكون في الجنة، التي قطوفها دانية، على أطراف الأنامل، والحَزْن الكامل أيضا لا يكون، لأن رحمة الله الخالق اللطيف، لخيراتها نفحات تعم العالمين.
علينا أن نسهّل الأمور حتى تسهلَ، ونهّون المكاره حتى تهون، ودعوتنا:(اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا).
عليك بها، يا طالب العلم.
عليك بها يا طالب الرزق.
عليك بها يا راجي الخير.
عليك بها يا صاحب الأمل.