مقالات

“السعادة والقانون” بقلم: د. أحمد بن صالح البرواني

السعادة مطلب الجميع فكلنا نبحث عن السعادة والتي تحمل معنى راحة البال والطمأنينة وسكون النفس وهدوئها، وبالرغم من ذلك فيختلف تعريف السعادة من شخص لآخر ومن عالم لآخر ومن علم لعلم آخر، فعلماء الشريعة يبحثون عن السعادة في ضوء قواعد الكتاب العزيز وسنة النبي المصطفى، وعلماء النفس يبحثون عنها في قواعد مختلفه تتعلق بتحقيق الأفكار والطموحات واشباع الغرائز، بل ان بعضهم يرى بأن السعادة تتمثل في التمرد على المجتمع والبعد عن كل ما هو مألوف، وعلماء آخرون يرون بأن الموسيقى والغناء يحققان السعادة فتلك الأصوات تبهج النفس وتريحها، ولن أستطيع أن احصر أسباب السعادة لدى الجميع وبالتالي فلن أستطيع حصر تعريفات السعادة تبعا لذلك.

ولأن الله امتن علينا كمؤمنين بنعمة الهداية للاسلام، فلا شك أن تلك النعمة يجب أن بكون لها تأثير واضح في جميع شؤون حياتنا، فالصانع اعلم بصنعته وما ينفعها وما يضرها اكثر من غيره فصانع الهاتف يعلم كيف يعمل وما هي الأمور التي تصيبه بالعطب وما هي البرامج الضارة به، وبلا شك فالله خالق الإنسان وهو خالق كل شئ وبالتالي فهو يعلم مصدر سعادتنا وشقانا.
ولقد وردت كلمة السعادة في سورة هود، حيث قال عز من قائل { فَمِنۡهُمۡ شَقِیࣱّ وَسَعِیدࣱ } [الاية: ١٠٥]، وقال جل في علاه:
{ ۞ وَأَمَّا ٱلَّذِینَ سُعِدُوا۟ فَفِی ٱلۡجَنَّةِ خَـٰلِدِینَ فِیهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تُ وَٱلۡأَرۡضُ إِلَّا مَا شَاۤءَ رَبُّكَۖ عَطَاۤءً غَیۡرَ مَجۡذُوذࣲ } [الاية: ١٠٨]، وحدد الله أسباب السعادة في ست حالات لا تجتمع فيها مع الشقاء ابدا، وهي: بر الوالدين، والدعاء، و التمسك بالقرآن، واتباع هدى الله، وخشية الله، والتقوى، ولقد وردت في كتاب الله عز وجل، حيث قال جل جلاله: (وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً). (سورة مريم الآية ٣٢)،
وقال تعالى: (وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً)، (سورة مريم الآية ٤)
وقال جل شأنه: (مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى). (سورة طه الآية ٢).
وقال عز من قائل: (فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى). (سورة طه الآية ١٢٣)
وقال جل شأنه: (سيذكر من يخشى ويتجنبها الأشقى)، (سورة الأعلى الآية ١٠) ، وقال تعالى: (فأنذرتكم ناراً تلظى لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى وسيجنبها الأتقى). (سورة الليل الآيات ١٤ – 17)
جعلنا الله وإياكم من سعداء الدنيا والآخرة.

ولعل من لا زال يبحث عن العلاقة بين القانون والسعادة، وهو سؤال اسمعه كثيرا، ولعل الإجابة تكمن فيما يلي:
1- ان لقواعد القانون مكانتها ودورها الرائد في تنظيم شؤون الحياة في المجتمعات، وهي بلا شك تسعى لاسعاد الناس، وهي تنطلق في ذلك من مبادئ الشريعة الإسلامية وفق الأسس الموضوعية والعلمية المحكمة التي وضعها النبي الأكرم والسلف الصالح من علماء الأمة.
٢- ان في بحور الشريعة الإسلامية قواعد جامعة مانعة صالحة للتطبيق اليومي، أخذها المشرع الوضعي ونص عليها كقواعد عامة في القانون الوضعي، ومن أهمها قاعدة (اليقين لا يزول بالشك، لا ضرر ولا ضرار) فهاتان القاعدتان مطبقتان في قواعد القانون الوضعي.
٣- نص النظام الأساسي لسلطنة عُمان الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 6 لسنة 2021 في الماده ٢ على أن: “دين الدولة الإسلام، والشريعة الإسلامية هي أساس التشريع”. وبالتالي فالقوانين الوضعيه يجب أن لا تخالف القواعد الثابته في الشريعة الإسلامية.
4- يضع المشرع الحلول الناجعة بإصدار التشريعات المناسبة لما يتطلبه حفظ الأمن والنظام العام في المجتمع وكفالة حفظ الحقوق وايصالها لأصحابها، وهو بذلك يحقق الراحة والإطمئنان، وهذا تطبيقا للقواعد الاسلاميه، فمما جاء في خطبة سيدنا ابو بكر الصديق عند توليه الخلافه: “الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله، والقوى فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه”.
٥- يسعى المشرع لإصدار قوانين تنظم أمور الناس في المجتمع ومن هذه التشريعات ما يحقق السلامة والأمن وبالتالي يشعر الناس بالسعادة كقانون المرور فهو ينظم حركة مرور مستخدمي الطريق، وبالتالي يستفيد جميع مستخدمي الطريق من الطريق ويحقق لهم كفالة الاستخدام الآمن للطرق وعدم الاعتداء على حقوقهم المرورية، وهذا الانتقال السلس والآمن يحقق السعادة إذ يتمكن الجميع من السعي للعمل وللاستجمام وطلب المصالح والمنافع من مكان لآخر.
٦- يقرن المشرع مخالفة القواعد القانونية بجزاءات قانونية توقع على من يرتكب المخالفة، جزائية أو مدنيه أو اداريه، وبلا شك أن هذه الجزاءات المراد منها منع من تسول له نفسه مخالفة القوانين واللوائح وبالتالي تحقيق السعادة للجميع حيث يلزم الجميع باتباع القانون ومن ينحرف سيجد جزاء مناسبا لانحرافه يعيده لجادة الصواب ويعيد الحقوق لأصحابها ويضمن لهم الحصول على التعويض المناسب عما أصابهم من ضرر.
ولعلي اكتفي لقصر باعي ولعمق البحر الذي غصت فيه، فإن اصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان، وختاما أدع الله أن يكتب الخير لعمان ومن عليها، وأن يحفظها وجميع بلاد المسلمين آمنة مطمئنة، وأن يوفق سلطاننا ويرزقه البطانة الصالحة، وأن يغفر للسلطان قابوس ويجمعنا به في الفردوس الأعلى من الجنة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى