مقالات

“الرياض وثقافة المرور” بقلم: د. طلال بن سليمان الحربي

عندما نتحدث عن مدينة كالرياض الحبيبة ونتناول أي شأن مرتبط بها علينا أخذ الحيطة والحذر دائمًا، لأنه لا يجوز ولا ينفع أن نتناول الأمور بشكل انتقائي أو غير كامل ولا أن نمر مرور الكرام، المدينة ليست فقط كبيرة بل آخذة في الاتساع والزيادة السكانية، لها ظروفها المناخية والمجتمعية السياسية والأمنية الخاصة بها، نعم ليست وحدها كبيرة في هذا العالم لكن هذا لا يمنع أن نتحدث عن خصوصيتها الثقافية والفكرية والمجتمعية والأمنية، وعلى سبيل المثال لا الحصر عند الحديث عن ملف المرور فيها فإن الأمر يحتاج إلى وقفة ذو فسحة كبيرة لنعطي الموضوع حقه ونمدح وننتقد والأهم نتوصل إلى حلول جذرية.

بداية حتمًا علي أن أوجه تحية إلى ذلك الشاب المواطن عسكري المرور الواقف تحت أشعة الشمس اللاهبة ليقوم بعمله الموكل إليه، تحية إجلال وإكبار لهؤلاء الجنود المرابطون على أرض عاصمتهم الأغلى، ليقوموا بتنظيم المرور والمساهمة في أن يذهب كلٌ إلى مبتغاه، وعلينا التنويه إلى أن رجل المرور هو رجل أمن مختص بالشأن المروري، مختص بالمرور والمركبات على الطرق، وتحية للمسؤولين عنه ضباط مرور الرياض ومدير مرور الرياض ومدير عام المرور الذين يتابعون كل صغيرة وكبيرة تهم أمر المرور ورجاله.

في الرياض يكفيك جولة واحدة فيها لتصل إلى قناعة أنك بحاجة إلى رجل مرور لكل مركبة ولكل دوار ولكل دخلة شارع، الثقافة المرورية شبه معدومة إن لم تكن فعليًا معدومة كليًا! مستوى احترام الأنظمة والتعليمات مُتدني جدًا إن لم يكن معدومًا أيضًا! وهذه حقيقة وليست مجرد جلد ذات أو محاولة لتبرير أمر معين، ولا نقول أن إدارة المرور لا يوجد لديها ما تحتاج من تطوير، لكن نقول أنها تتحمل جزء من المسؤولية التنظيمية الرقابية وهو جزء يعتمد أساسًا على الجزء الآخر المتعلق بالأشخاص، ما الذي يمنع سائق أي مركبة أن يقف على أي دوار ويعطي الأولوية لمن هو في داخل الدوار؟! ما الذي يمنع الداخل من شارع فرعي إلى رئيسي أن ينتظر قليلاً ويتريث؟ ما الذي يمنع من الإلتزام بالسرعات المحددة والمُعلن عنها على الطرق؟ ما الذي يجعلنا نتسابق على قطع الإشارة الحمراء فقط لأنه لا يوجد عليها ساهر؟!

تنوعت مستويات الثقافة لدى السائقين وضغوطات الأزمات المرورية وضغوطات الوقت وأعمال الطرق والإنشاءات في شوارع الرياض، كل هذا يجعل من الصعوبة بمكان أن تبدأ بعملية حل جذرية مؤقتًا على أقل تقدير، في الرياض على ما أعتقد أكثر من 700 دورية مرورية يوميًا تجوب الطرق والشوارع، قد لا نشعر بهم لأنها مدينة متسعة ولأننا لا نقوم بإحصاء الدوريات كاملة، إدارة المرور هي المؤكد للإلتزام بالأنظمة والمراقبة على أرض الميدان، لكن هي ليست جهة تشريعية بتخصص البحت، وبنفس الوقت لا يجوز إسقاط مواقف فردية أو سوء فهم قد يحدث بين المواطن وبين رجل المرور في وصف حالة أو الإبلاغ عن حادث على إدارة كاملة وأن لا نكون طابورًا خامس نبخس رجال المرور حقهم وجهدهم، ما نحتاجه ثقافة تبدأ بالمدارس بوجود مناهج تُدّرس الثقافة المرورية.

معظم دول العالم في أوروبا وأمريكا وبعض الدول الآسيوية المتقدمة، أنت لا ترى رجل مرور فيها إلا ما ندر، لكن ترى حِسًا وطنيًا وإلتزامًا أخلاقيًا عالِ المستوى بالأنظمة والتعليمات وثقافة تبدأ من المدرسة والعائلة، لكن الأمر مختلف لدينا كليًا، لأنه عندما تسقط جزئية الإلتزام الذاتي بآداب وقواعد المرور فإنه من الطبيعي أن نبحث عن بديل والبديل هو رجل المرور، لا نبحث عنه لنعطيه حقه بل لننتقده وليكون الشماعة التي نعلق عليها أخطاءنا المرورية، الأصل أن نقف معهم ونتكاتف ونتعاون وأن نضرب بأنفسنا المثل الجيد، لنجرب أن نلتزم لنكتشف كم أضعنا على أنفسنا من وقت وجهد ومال وأرواح.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى