مقالات

لماذا يحرقون القرآن؟ بقلم : مصبح بن سالم الكعبي

تنتشر هذه الأيام بعض الأفعال الشاذة والمشينة، ومنها حرق القرآن الكريم، ولو بحث في الدوافع وراء ذلك الفعل؟ لتبين أنه، إما الكبر والغرور، وإما الحسد والكراهية، وإما الجهل بحقيقة القرآن الكريم وما فيه من الحق.

إن من أوجب واجبات المسلمين اليوم توضيح حقيقة القرآن الكريم، وبيان ما جاء فيه من الحق.
قال تعالى: ﴿إِنَّ هذَا القُرآنَ يَهدي لِلَّتي هِيَ أَقوَمُ وَيُبَشِّرُ المُؤمِنينَ الَّذينَ يَعمَلونَ الصّالِحاتِ أَنَّ لَهُم أَجرًا كَبيرًا﴾ [الإسراء: ٩]وقال تعالى: ﴿وَلَقَد صَرَّفنا في هذَا القُرآنِ لِلنّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكانَ الإِنسانُ أَكثَرَ شَيءٍ جَدَلًا﴾ [الكهف: ٥٤]وقال تعالى: ﴿وَكَذلِكَ أَوحَينا إِلَيكَ روحًا مِن أَمرِنا ما كُنتَ تَدري مَا الكِتابُ وَلَا الإيمانُ وَلكِن جَعَلناهُ نورًا نَهدي بِهِ مَن نَشاءُ مِن عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهدي إِلى صِراطٍ مُستَقيمٍ﴾ [الشورى: ٥٢]وقال تعالى: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحمَةٌ لِلمُؤمِنينَ وَلا يَزيدُ الظّالِمينَ إِلّا خَسارًا﴾ [الإسراء: ٨٢]

إن القرآن الكريم هو النور الذي أنزله الله إلى هذه الأرض، قال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا النّاسُ قَد جاءَكُم بُرهانٌ مِن رَبِّكُم وَأَنزَلنا إِلَيكُم نورًا مُبينًا﴾ [النساء: ١٧٤]

وهو حبل الله المتين، وهو الصلة بين السماء والأرض، والإنسان السوي، صاحب الفطرة السليمة لا يملك إلا أن يتأثر به، ويؤمن بما فيه.
وهذا ما حدث للنصارى في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فقد خشعت قلوبهم، وفاضت بالدمع عيونهم عندما سمعوا كلام الله، وقد أثبت الله عز وجل هذا المشهد في القرآن الكريم، قال تعالى: ﴿وَإِذا سَمِعوا ما أُنزِلَ إِلَى الرَّسولِ تَرى أَعيُنَهُم تَفيضُ مِنَ الدَّمعِ مِمّا عَرَفوا مِنَ الحَقِّ يَقولونَ رَبَّنا آمَنّا فَاكتُبنا مَعَ الشّاهِدينَ۝وَما لَنا لا نُؤمِنُ بِاللَّهِ وَما جاءَنا مِنَ الحَقِّ وَنَطمَعُ أَن يُدخِلَنا رَبُّنا مَعَ القَومِ الصّالِحينَ﴾ [المائدة: ٨٣-٨٤]

وهكذا فعلت الجن من قبلهم عندما سمعوا كلام الله، قال تعالى: ﴿قُل أوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ استَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الجِنِّ فَقالوا إِنّا سَمِعنا قُرآنًا عَجَبًا۝يَهدي إِلَى الرُّشدِ فَآمَنّا بِهِ وَلَن نُشرِكَ بِرَبِّنا أَحَدًا﴾ [الجن: ١-٢]

هذه هي حقيقة القرآن، وهذه هي عظمته، إنه الحق الذي تخضع له مخلوقات الله إجلالا وتعظيما.
قال تعالى: ﴿لَو أَنزَلنا هذَا القُرآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيتَهُ خاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِن خَشيَةِ اللَّهِ وَتِلكَ الأَمثالُ نَضرِبُها لِلنّاسِ لَعَلَّهُم يَتَفَكَّرونَ﴾ [الحشر: ٢١]

لكنْ ما هو الرد المناسب تجاه ذلك الفعل الآثم من قبل إنسان جاهل، ربما لم يقرأ في حياته آية من كتاب الله العزيز؟ أو ربما حمله حقد دفين وبغضاء مشينة للإسلام وأهله، أو ربما كان سببا غير ذلك…
هل يكون الرد بإغلاق السفارات؟
أو حرق الأعلام؟
أو بمقاطعة البضائع؟
أو حرق الإنجيل والتوراة؟
هل هذه هي الردود المناسبة؟
أم أن هناك ما هو خير منها؟
إن الإسلام يدعو كل مسلم أن يعامل الآخرين بأخلاق القرآن، والقرآن الكريم يدعونا للرقي في التعامل وحسن المعاملة.
قال تعالى: ﴿وَلا تَستَوِي الحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادفَع بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ فَإِذَا الَّذي بَينَكَ وَبَينَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَميمٌ﴾ [فصلت: ٣٤]وقال تعالى: ﴿وَلا تَسُبُّوا الَّذينَ يَدعونَ مِن دونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدوًا بِغَيرِ عِلمٍ كَذلِكَ زَيَّنّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُم ثُمَّ إِلى رَبِّهِم مَرجِعُهُم فَيُنَبِّئُهُم بِما كانوا يَعمَلونَ﴾ [الأنعام: ١٠٨]إذن ما هو الحل وما هو الرد المناسب على تلك الإساءات؟
هل المطلوب الرد على الإساءة بالإساءة؟ ومقابلة السيئة بالسيئة؟
أم إن الغاية الكبرى هي تحقيق الهداية والخير والسلام للبشرية؟
إن الحقيقة المؤسفة التي يجب أن يعترف بها، هي أن مئات الملايين من البشر حول العالم لا يعرفون شيئاً عن القرآن الكريم! وهذا بسبب تقصير المسلمين أنفسهم في التعريف بالإسلام، إن هذا التقصير عائد لانشغال المسلمين بالدنيا والجري وراءها بشكل جنوني، بينما كان الرعيل الأول من الصحابة الكرام رضي الله عنهم، همهم الأول والأخير هو الدعوة إلى الله عز وجل، والعمل على نشر الدين في أرجاء المعمورة.
إن الإنسانية اليوم بحاجة إلى مبادرات حضارية، تتبناها سفارات الدول العربية والإسلامية، تقوم من خلالها بإطلاق حملات تعريفية بالقرآن الكريم وما جاء به من الحق، وذلك باستخدام مختلف الوسائل المتاحة، مثل إقامة المؤتمرات والندوات والمحاضرات وغيرها من الفعاليات والبرامج التي يمكن أن تحقق الهدف المنشود.
أما التجار والهيئات فيمكن أن يساهموا في طباعة القرآن الكريم، وترجمة معانيه إلى اللغات الأجنبية، ولنتصور أنه تم طباعة وتوزيع (100) مليون نسخة من ترجمة القرآن الكريم، وأنه أسلم بسببها (10) آلاف إنسان فقط، ألن يكون ذلك أجدى وأنفع، و فيه تحقيق لمراد الله عز وجل في هداية البشرية، فقد قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم: “فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ”. ( صحيح البخاري: 3009).
أما الشباب المسلم، فهم عماد الأمة ومستقبلها الواعد، ويمكنهم أن يقوموا بأدوار عظيمة ومبتكرة في التعريف بالقرآن الكريم والدين الإسلامي والدعوة إليه، وفي هذا امتثال لحديث النبي صلى الله عليه وسلم، الذي قال فيه: ” بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً” ( صحيح البخاري: 3461).

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى