مقالات

“أرجوكم تبادلوا الأدوار” بقلم: أميمة عبدالعزيز زاهد

يظل الإنسان لسنوات طويلة يتعامل مع البشر بحسن نية وصفاء وثقة، ويطبّق معهم ما قاله الشاعر في قصيدته: أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم.. فطالما استعبد الإنسان إحسان ولكن مع الأسف أصبحت الثقة في هذا الزمان من الصفات النادرة، أو بالأحرى «انتحرت» تحت متغيرات الظروف، وأصبح يفسر حُسن الظن بالسذاجة، والطيبة بالغباء، وكأن الثقة أضحت عيباً وليست ميزة، وقد يحاول هذا الساذج عدم الاندفاع وراء طبيعته، ويظل يمر بمواقف كثيرة تعرّضه للمشاكل؛ نتيجة لطيبته، وتتكرر تلك المواقف بأشكال شتى، ويظل يصارع نفسه؛ ليتغلب عليها دون فائدة، ولا يلبث في النهاية أن يعود يبرر ويعذر ويسامح، ويقول: «كل إناء بالذي فيه ينضح»، فلماذا الخداع والنفاق والكذب؟ ومع ذلك يتحمل من يمتلك تلك الصفات ويصبر؛ لاعتبارات كثيرة، أولها وأهمها لوجه الله تعالى، ثم الامتثال لقدوتنا وحبيبنا سيدنا محمد، عليه أفضل الصلاة والسلام، وتأتي بعدها توصيات أقرب الناس لك: «تحمل، اصبر»، ويضغط الإنسان على أعصابه ويضغط؛ حتى تأتي ساعة الصفر، وينفجر البركان، ويتعجب من حولك.. لماذا كل هذه الثورة والانفعال؟ وكأنك من عجينة أخرى وليس بشراً؛ من حقك أن تثور، أو تنفث عما في أعماقك، أو أنك مخلوق من صخر وعليك الصمود مدى العمر، مع أنه حتى الجبال تتأثر بعوامل التعرية، وقد يتحمل الإنسان ويكابد ويصبر على من لهم الحق عليه، ولكن المصيبة أن يتحمل من هم ليس لهم عليه حق سوى الاحترام والمعاملة الحسنة، فالإنسان قد خلق ضعيفاً.. ليس في جسده وقوته فحسب، بل حتى في أحاسيسه ومشاعره وتصرفاته، وبداخل كل منا مشاعر وأحاسيس لا يمكن لأحد أن يلمسها ويحس بها، ولا أحد سوانا يتمكن من الشعور بها، مهما حاول من حولنا مشاركتنا في معاناتنا وحزننا، سيبقى الوحيد المتألم من يعيش الموقف، فالبعض قد يتعاطف، وهناك من يقف في صفك، وهناك من يبرر موقفك، وآخرون يتهمونك بالتسرع واللامبالاة أو الجحود أو النكران أو الغرور والتكبر وسوء التصرف، وكل واحد من هؤلاء يحكم من منظوره للحياة، وليس من منظور صاحب المعاناة، يحكمون من موقعهم وموقفهم؛ وهو موقف المتفرج، ولا أدري من منحنا الحق لنحكم على الآخرين، أو ليحكم الآخرون علينا، نحن فقط نقول وجهة نظرنا، وقد كان شعار الإمام الشافعي رحمه الله الذي يتعامل به (رأي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ ويحتمل الصواب). نعود ونردد بيننا وبين أنفسنا قول الله تعالى «إنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ»، وهذا يعني أنه ليس كل إثم يمنحنا الحق أن نسيء الظن في مواقف وتصرفات وأقوال بعض الأشخاص. ولو حاول كل إنسان، قبل أن يتهجم على الآخر وينتقد تصرفاته ويسيء إليه أن يسأل نفسه بكل أمانة وصدق… لو كان مكانه ماذا كان سيفعل؟
أرجوكم تبادلوا الأدوار في كل مواقف حياتكم…

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى