“قاعدة شاحنة النفايات” بقلم: خالد عمر حشوان
إن المواقف التي تحدث لنا في حياتنا الطبيعية قد تخرج ما بداخلنا من مشاعر وأحاسيس وتخرجنا من طورنا وتفقدنا أعصابنا، والبعض منا (ونتمنى الكثير) من هم الذين يعملون بنصيحة المصطفى عليه الصلاة والسلام للرجل الذي طلب منه النصيحة في قول الرسول له ” لا تغضب، فردد مرارا قال: لا تغضب ” (صحيح البخاري)، وأيضا وصف الله تعالى للمتقين الذين أعدت لهم جنة عرضها السماوات والأرض في سورة عمران في قوله تعالى “الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ” (الآية 134).
وما جعلني أكتب هذا المقال هو قصة الشيخ على الطنطاوي -رحمه الله- التي أطلق عليها قاعدة شاحنة النفايات والتي تستحق الوقوف عندها والتعلم منها دروس كثيرة في حياتنا اليومية.
القصة: هي أن الشيخ علي الطنطاوي كان متوجها إلى المطار مستقلا سيارة أجرة، وفي الطريق الذي كان يسلكه السائق ملتزما بمساره الصحيح، انطلقت سيارة مسرعة من موقف سيارات بشكل مفاجئ أمامهم مما أجبر السائق على الضغط بقوة على مكابح السيارة كي لا يصطدم بتلك السيارة، والغريب في الموقف أن صاحب السيارة المخطئ أخذ يصرخ ويشتم بألفاظ بذيئة لسائق سيارة الأجرة الذي قابله بكظم غيضه ومبادرته بالاعتذار والابتسامة، مما أثار فضول الشيخ الطنطاوي وجعله يسأل السائق: لماذا تعتذر له وهو المخطئ؟ فأجاب السائق بمقولته الشهيرة: “كثير من الناس مثل شاحنة النفايات تدور في كل الأنحاء محملة بأكوام النفايات وعندما تتراكم هذه النفايات داخلهم يحتاجون لإفراغها في أي مكان قريب، فلا تجعل نفسك مكبا لهذه النفايات”.
قال بعدها الشيخ الطنطاوي متواضعا: لقد لقنني هذا السائق درسا أسميته قاعدة شاحنة النفايات.
أولا: سوف نتطرق لتوضيح الفرق بين كظم الغيظ والغضب للتميز بينهما في النقاط التالية :
– يعتبر الغيظ هو بداية الغضب، والغضب هو الغاية ويعتبر تغير عند غليان الدم ليحصل عنه التشفي للصدر.
– الغيظ يكون أظهر في فعل النفس، بينما الغضب أظهر في فعل الجوارح.
– الغيظ لا يشترط أن يصحبه إرادة للانتقام، بينما الغضب يصحبه إرادة للانتقام وكلاهما وسيلتان لاختبار مدى الصبر.
ثانيا: الدروس المستفادة من هذه القصة في كيفية كظم الغيظ ونلخصها في النقاط التالية :-
1- الرحمة بالمخطئ فنحن لا نعرف الظروف التي يمر بها وجعلته في هذه الحالة.
2- سعة الصدر مع الآخرين وحسن الثقة في النفس دائما وفي كل الظروف مما يحمل النفس على العفو.
3- شرف النفس وعلو الهمة والترفع عن السباب والمشاحنات.
4- طلب الأجر والثواب من الله في كظم الغيظ والسيطرة علي الغضب.
5- استحياء المسلم من وضع نفسه في مقابلة المخطئ، فاحتمال السفيه خير من التحلي بصورته.
6- تدريب النفس على الصبر والسماحة والتي هي من صفات الإيمان.
7- إيقاف السباب وإنهاؤه مع من يصدر منه وهو من الحزم لأن الصمت يعطي نتيجة أفضل من الرد.
ثالثا: ثمار كظم الغيظ :- توجد ثمار كثيرة لكظم الغيظ ونختار لكم منها الأهم وهي:
– قهر الغضب والتغلب عليه بكظم الغيظ كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام ” لَيْسَ الشَّدِيدُ بالصُّرَعَةِ؛ إِنَّمَا الشَدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ” وهو تدريب للنفس على التحمل والصبر.
– التغلب على الشيطان والتعود على عدم الانصياع لوسوسته وشره وإفقاده الأمل للوقوع في المعاصي.
– تعظيم الله عز وجل لأجر الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس ابتغاء لوجهه الكريم.
– التفكير بحكمة وروية وإيجاد الحلول الحقيقة للموقف قبل الدخول في أمور لا تحمد عقباها.
– التحلي بخلق كريم من مكارم الأخلاق يولد الشعور بالسعادة وراحة النفس والعفو.
– استسلام المخطئ وتقديره وتوقيره للذي يكظم غيظه وكسب محبته في ذلك الموقف.
– دفع الإساءة بالحسنة والمكروه بالمعروف والقهر باللطف عند الإحسان للمسيء وعدم معاملته بالمثل.
ختاما إن الانسان لا يستقيم في انفعالاته التي جبله الله عليها كالغضب والخوف واليأس والأنانية ولا يقوى على التحكم في زمامها إذا ثارت إلا بالإيمان والتربية الروحية والنفسية لأن الله سبحانه هو الذي خلق النفس البشرية وهو أعلم بأمراضها النفسية والدواء الشافي لها، كما أن طبيعة النفس لا تطمئن ولا تهدأ إلا بذكر الله والانابة إليه والأنس بقربه وطاعته كما قال تعالى ” الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ الله أَلَا بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ ” (سورة الرعد-28)، لذا فإن كظم الغيظ خلق كريم دعا إليه الإسلام وحث عليه وعظم من أجره لما له من آثار إيجابية على صلاح الفرد والمجتمع في الدنيا وطريق إلى الجنة في الآخرة التي أعدت للمتقين ومنهم الكاظمين الغيظ.