” شهر الصبر ” بقلم : علي محمد قاسم
هكذا سمى رسول الله عليه الصلاة والسلام، شهر رمضان المبارك، وفي هذه التسمية تنويه بخلقٍ عظيم من أعظم أخلاق النفس الإنسانية، كثيرا ما ذكره الله في كتابه العزيز، وأثنى على من تخلق به، فكان من الصابرين، بل إن الصبر وصية الله لنبيه ولعباده في القرآن، في عدة آيات، فجاء أمره به بصيغة الإفراد والجمع: (اصبر، واصبروا)، وفي ذلك دلالة واضحة على أهمية الصبر وضرورته، وأنه ينبغي للمسلم التزامه والتمسك به، حتى يصير له خلقا.
ما حياة الإنسان في دنياه إلا معركة محتدمة الجولات، شديدة الأحداث، وليس للإنسان في خوض غمارها الحامية إلا سلاح الصبر، يواجه به المصاعب، ويحتمل المتاعب، ويا لَخسارة الإنسان وشقائه، إذا افتقد هذا السلاح في معركة الحياة، كيف يمكن تصور حياة صحيحة من دونه، إنه الفَيء في الهجير، والنور في الظلمات.
إن وجود الصبر شيء حتم في حياتنا، وما من إنسان إلا وهو صابر على أمر ما، ولكنّ الخوف أن يكون الصبر ادعاءً زائفاً، لا يغني عن النفس شيئاً، لأنه صبر بلا أساس ولا أركان، صبر لا تحمّل فيه ولا تجمل، ولا ضبط للنفس ولا تحكم، وبعبارة موجزة صبر يفتقد إلى الصبر، وفاعله غير صابر حقا.
في الصبر مسألة مهمة، أحب ذكرها في هذا المقام، وقد ذكرها العالم أبو حامد الغزالي، وهي أن الصبر يكون على ما لا يمكن تغييره، إذ قال:(ليس كل بلاء يُؤمرُ بالصبر عليه…كل بلاء يقدر الإنسان على دفعه لا يؤمر بالصبر عليه…وإنما يكون الصبر على ألم ليس إلى العبد إزالته) بتأمل هذا الكلام، يُدرك حال الصابر، هل هو صابر أم عاجز لا يريد التغيير، ولا له إرادة في فعله، وراضٍ بواقعه، أيا يكن.
من الخير لكل مؤمن أن يعلم أنه سوف يسأل عن الصبر يوم يلقى الله، وأنه مأجور على صبره، إن صبر لوجه الله، هيه يا أيها الإنسان، إنك ليس لك عن صبرك غَناءٌ، وليس لك من اللجوء إليه بد، على نحو ما قال الشاعر:
يقولون لي صبرا وإني لصابرٌ على نائبات الدهر وهي فواجعُ
سأصبر حتى يقضيَ الله ما قضى وإنْ أنا لم أصبرْ فما أنا صانعُ
ويلٌ لك من نفسك إن لم تلزمها حدود الصبر، ذلك لأنك محتاج إليه احتياجك إلى الماء والغذاء، فإن كنت عاملاً فاصبر على أداء عملك.
وإن كنت عاطلا، فاصبر على رزقك، حتى يأتيَك، وأحسن في طلبه والسعي له.
وإن كنت متزوجا، فاصبر على زوجك.
وإن كنت عَزَباً، فاصبر على قَدَرك، حتى يفرج الله همك.
وإن كنت والدا، فاصبر على ولدك.
وإن كان لك والدان، فاصبر على برهما.
وإن كنت مريضاً – عافاك الله- فاصبر على مرضك، واطلب الشفاء منه.
وإن كنت فقيرا، فاصبر حتى يغنيك الله من فضله، وهو ذو الفضل العظيم.
وإن كنت غنيا، فاصبر على أداء حق مال الله عندك.
واعلم أن صبرك مفتاح انتصارك، فاللهم صبرا صبرا.
لنكنْ على ثقة واطمئنان بأن الله لا يقضي لعباده المؤمنين قضاءً إلا كان لهم خيرا، على شرط أن يشكروا على النعماء، ويصبروا في البأساء، وعليهم تدبر وجوه الخير في ابتلائهم، فإن البلية لن تقدّم بنفسها لأحد ما في طياتها من نفع، دون فكرٍ منه وسعي وعمل.
عوداً إلى عنوان المقال فأقول: إن من صبر على الصيام في رمضان، فلْيصبّر نفسه في سائر الزمان، ولنتعلم الصبر، من شهر الصبر.