“دور أبي طالب في حماية النبي ﷺ” بقلم : د. مصبح بن سالم الكعبي

لم يكن موقف أبي طالب عمّ النبي ﷺ تجاه ابن أخيه موقفًا بسيطًا عابرًا، بل كان موقفًا عظيمًا مشهودًا. فقد تولّى أبو طالب رعايته وكفالته منذ أن كان طفلًا صغيرًا، واستمر يغدق عليه من مشاعر الحب والحنان حتى بلغ مبلغ الرجال. لقد أحبَّ أبو طالب النبي ﷺ حبًّا عظيمًا، وبذل كل ما في وسعه من أجل راحته وسعادته.
وعندما بُعث ﷺ وكُلِّف بالدعوة إلى الله، كان أبو طالب له سندا وظهيرا، وتكفّل بحمايته من بطش مشركي قريش، وبقي على ذلك العهد حتى وافته المنية في السنة العاشرة من البعثة، وهو العام الذي سُمِّي بعام الحزن؛ إذ توفيت فيه أيضًا السيدة خديجة رضي الله عنها. وبوفاتهما فقد النبي ﷺ أهم سندين بعد الله عز وجل.
وبعد غياب السند والظهير، كشّر زعماء قريش عن أنيابهم، وبدؤوا يضيّقون الخناق على النبي ﷺ ومن معه من المؤمنين، حتى اضطُر الصحابة الكرام رضي الله عنهم إلى الهجرة إلى يثرب.
وهذا يدل على أهمية النصير والظهير في حياة الدعاة والمصلحين، فلا يمكن لأي دعوة أن تنجح في الوصول إلى أهدافها ما لم يكن لها ركن تأوي إليه. ولنا في موقف سيدنا لوط عليه السلام عبرة وعظة عندما ضاق ذرعًا بالقوم الفاسقين، فقال كما ورد في القرآن الكريم: ﴿قالَ لَو أَنَّ لي بِكُم قُوَّةً أَو آوي إِلى رُكنٍ شَديدٍ﴾ [هود: ٨٠].
وكذلك سيدنا موسى عليه السلام حين طلب من ربه أن يشد عضده بأخيه، فقال عليه السلام كما حكاه الله عز وجل: ﴿وَاجعَل لي وَزيرًا مِن أَهلي هارونَ أَخِي اشدُد بِهِ أَزري وَأَشرِكهُ في أَمري كَي نُسَبِّحَكَ كَثيرًا وَنَذكُرَكَ كَثيرًا إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصيرًا﴾ [طه: ٢٩-٣٥].
والمتأمل في سيرة النبي ﷺ يرى أنه انتقل في أطوار ومراحل مختلفة من الدعوة، وفي كل مرة كان له من يعينه ويحميه في رحلته لتبليغ رسالة ربه. ففي المرحلة المكية كان عمه أبو طالب، وفي بدايات المرحلة المدنية كانت قبيلتا الأوس والخزرج، وبعد فتح مكة انتقلت قريش من مرحلة العداء إلى مرحلة تبني الدعوة الإسلامية والدفاع عنها. وبالفعل، تغيّر الوضع تمامًا بعد ذلك، وأصبح الناس يدخلون في دين الله أفواجًا، حتى سُمِّي العام التاسع بعام الوفود لكثرة وفود القبائل على النبي ﷺ.
إن البحث عن السند والنصير واللجوء إليه والتعاون معه من الضروريات الأساسية التي لا غنى عنها في مسيرة الدعوة والإصلاح. وهي من سنن الله في الأرض، وإلا فإن الله قادر على أن ينصر عباده بكلمة “كن” فيكون، ولكنها سنن الله التي لا تتبدل ولا تتغير:
قال تعالى: ﴿سُنَّةَ اللَّهِ الَّتي قَد خَلَت مِن قَبلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبديلًا﴾ [الفتح: ٢٣].