“اليوم العالمي لحقوق الإنسان 10 ديسمبر” بقلم : خالد عمر حشوان
يحتفل العالم سنوياً بيوم حقوق الإنسان في 10 كانون الأول/ديسمبر من كل عام لإحياء ذكرى اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة بإعلان عالمية ذلك اليوم في عام 1948م، ويتألف الإعلان من ديباجه و30 مادة تحدد مجموعة من حقوق الإنسان والحريات الأساسية التي لابد أن يتمتع بها في جميع أنحاء العالم دون تمييز أو عنصرية، حيث تم قبوله من جميع الدول تقريباً ويهدف إلى حماية حقوق الإنسان والارتقاء بها على المستوى الوطني والاقليمي والدولي وخاصة الفئات الضعيفة مثل ذوي الإعاقة والشعوب الأصلية والمهاجرين.
ونحن كمسلمين نفتخر بأن الإسلام قبل أكثر من 1440 عام هجري بدأ كعقيدة أسَّسَتْ هذا المبدأ العظيم وقامت على وحدة البشر مهما كان اختلافهم في الجنس أو العرق أو اللون أو الرزق أو الدخل أو العمر، لأن هذه الاختلافات تهدف إلى التعارف وإعمار الكون في إطار من التعايش والتعاون والتكامل، كما في قول الله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات-13)، وقال أيضا {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ والأرْضِ واخْتِلافُ ألْسِنَتِكُمْ وألْوَانِكُمْ، إنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ} (الروم-22)، وحَرِصَ الإسلام على تكريم الإنسان ليقوم بدوره في تقدم المجتمع من خلال تقدم وَرُقي الفرد فيه والتأكيد على كافة حقوق الإنسان التي نذكر منها الأهم على سبيل الذكر لا الحصر مثل:-
* حق الحياة: من واجبات الدولة في الإسلام حماية حياة المسلم وغير المسلم وضمان استمرار الحياة من مأوى وأمن وعلاج، كما قال تعالى {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۖ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ۖ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (الأنعام-151).
* حق الكرامة الإنسانية: فقد كرم الإسلام حياة المسلم وحرم عليها الإذلال والقهر والإهانة، ونهى المصطفى عليه الصلاة والسلام عن ضرب الوجه لأنه موضع كرامة الإنسان وقال الله تعالى في ذلك {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} (الإسراء-70).
* حق الحرية: هناك نوعين من الحرية في الإسلام، الأول: هو حق المسلم في التمتع بحريته الشخصية وهو حق طبيعي وهبة إلهية لأنه حر وعلى أساس هذه الحرية سيحاسب يوم القيامة، أما النوع الآخر فهو حق اختيار السلطة التي تحكمه ومثالها اختيار أبي بكر الصديق خليفةً للمسلمين وبيعته (البيعة الخاصة والبيعة العامة).
* حق التعليم: وذلك بالترغيب في التعليم فقد قال الله تعالى {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} (الزمر-9)، وتخصيص الأوقات المناسبة له وتحريم كتمان العلم كما قال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ ۙ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} (البقرة-159).
* حق التملك والتصرف: وهو حق للمسلم وغير المسلم في التملك لحيازة الممتلكات والانتفاع بها والشراء والبيع والرهن والهبة والوصية والميراث وغيرها من التعاملات المباحة لأنه حق من الفطرة البشرية ومن خصائص الحرية الإنسانية ودافع قوي للإنتاج والتحسين والتطوير وهو من قواعد الاقتصاد الإسلامي بالإضافة لحفظها وصيانتها من النهب والسرقة والإتلاف وتشريع عقوبات رادعة لكل مُعتدي على هذا الحق المشروع، ووَضَعَ الاسلام لهذا التملك الفردي قيودا لحماية مصالح الآخرين كمنع الغش والربا والاحتكار والرشوة وغيرها.
* حق الملكية الجماعية: وهو ما يكون حق الانتفاع بآثاره للجماعة مثل المساجد والطرق والمستشفيات العامة والأنهار والبحار والموارد الطبيعية والمحمية ويعتبر ملكاً عاماً يُصرف للمصالح العامة وتكون على الدولة مسئولية إدارته وتوجيهه للمسار الصحيح الذي يحقق مصالح الجماعة المسلمة.
* حق العمل: رَسَّخَ الإسلام حق العمل في المجتمع وأسَّسَ حقوق العُمَّال وضَمَّنَها وأمر بإتقان العمل وعدم التقصير فيه وأعتبره أمانة لابد من تأديتها وقال عنه المصطفى عليه الصلاة والسلام “أنَّ اللهَ تَعَالى يُحِبُّ إذَا عمِلَ أحَدُكُمْ عَمَلاً أنْ يُتْقِنَهُ” (أخرجه أبو يعلي والطبراني وصححه الألباني)، وقال صلى الله عليه وسلم “مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْساً إلاَّ كانَ مَا أُكِلَ مِنْهُ لهُ صَدَقَةً، وَمَا سُرِقَ مِنْه لَه صدقَةً، وَلاَ يرْزؤه أَحَدٌ إلاَّ كَانَ لَهُ صَدَقَةً” (رواه مسلم)، ومعنى “لا يرزؤه أحد” أي لا ينقصه أحد.
وأخيرا وليس آخرا فإن الإسلام قد أقَرَّ حقوق الإنسان قبل أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان والتي أكَّدَهَا العالم منذ عام 1948م أي ما يقارب 75 عاما فقط، مما يثبت أنها من الحقوق المهمة للإنسان الذي يُعتبر الثروة الحقيقية في الكون وأن هذه الحقوق لابد أن تكون من الأمور الضرورية التي ليست غريبة على المسلمين والتي تتفق مع دينهم وتقاليدهم قبل أن يعرف الإنسان المعاهدات والمواثيق الدولية، وأن الدور الكبير على المسلمين حكاماً وشعوباً هو إبراز هذه المبادئ والقيم الإسلامية لإثراء هذه المسيرة الخيَّرة والتقيد بها واحترامها لكونها أهم دعوة لفهم العقيدة الإسلامية والتصدي للحملات الكاذبة والظالمة التي تتعرض لها، وقال الله عنهم { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} (آل عمران-110).