زهراء غريب-البحرين
لتلك الريح ملاذُ عشقٍ يُخمِد الاضطراب، ولتلك العتمّة قنديلٌ يُضاء بحُلم الوحدة، ولكل جمرٍ انطفاء ما دامت أفياء الأوطان تزدان بحرية الإنسان. بهذه الأمنيات نبضّت الخشبة وألقّت بوحها في وجدان المتفرّج، غير أن ركح المسرح شهِد خروجاً للزوبعة من الفنجان، فبزغّت الضغينة واختنّق السقف بالعاصفة، واشتعل الدرب تيهاً مصقول بالخلافات.
وبآمالٍ رمزيةٍ مُعلّقةٍ ما بين اشتعالٍ وانطفاء، جاءت مسرحية” الزوبعة خارج الفنجان” لمسرح أوال من مملكة البحرين، للمخرج حسن فلامرزي وللكاتبة الكويتية تغريد الداوود، محمّلة برسائل إنسانية فتحت للتأويل فضاء أرحب، قدمّها مخرج العمّل، عبر معالجة إخراجية مُتقنة اتسمت بعمق بصري ورمزي مكثف، وأداء تمثيلي متناغم جسّد تحولات شعوريةٍ مختلفة كالخوف والاندفاع والانقسام، في تكوين حركي متماسك كالجسد الواحد.
المسرحية تألقت مؤخراً بحصد ثلاث جوائز في مهرجان البحرين المسرحي الرابع الذي أُقيم خلال الفترة من 4 إلى 10 نوفمبر 2025 ،برعاية سمو الشيخ خالد بن حمد آل خليفة، النائب الأول لرئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة، رئيس الهيئة العامة للرياضة، رئيس اللجنة الأولمبية البحرينية. والجوائز هي : جائزة أفضل ممثلة في دور ثانٍ للفنانة نورة عيد، جائزة أفضل إضاءة للفنان عيسى خليفة، وجائزة أفضل ديكور لمخرج العمل حسن فلامرزي.
نضج مسرحي
من جهته، أعرب مخرج العمل، حسن فلامرزي عن فخره لكونه أول من يتصدى لإخراج نص مسرحية “الزوبعة خارج الفنجان” للكاتبة تغريد الداوود، مشيرًا إلى أنها “كاتبة مخلصة في أعمالها وتُعد من أبرز الأسماء في الساحتين الخليجية والعربية”.
وأشار المخرج إلى تقديره لجهود طاقم العمل الذي حرص على تقديم العرض ضمن فعاليات مهرجان البحرين المسرحي الرابع المتزامن مع مئوية المسرح البحريني رغم التحديات، وقال: “أشكر سمو الشيخ خالد بن حمد على دعمه السخي ورعايته لهذا المهرجان، وهذا إن دل فيدل على اهتمام الدولة بالمجال الفني والمسرحي تحديدًا”.
كما وجّه فلامرزي شكره للقائمين على المهرجان، وفي مقدمتهم سعادة وزير الإعلام الدكتور رمزان بن عبدالله النعيمي، ورئيس هيئة البحرين للثقافة والآثار الشيخ خليفة بن أحمد آل خليفة، واتحاد المسرحيين البحرينيين، مثمّنًا جهودهم في نجاح الدورة الرابعة من المهرجان.
“الزوبعة لا تطرق الأبواب”
مؤلفة النص الكاتبة تغريد الداوود، أكدت أن تعاونها مع مسرح أوال يُعد من التجارب البارزة في مسيرتها الفنية، موضحة: “تجربتي مع مسرح أوال العريق جديرة بأن تُذكر، وأتشرف بأن المخرج المبدع حسن فلامرزي اختار نصًا من نصوصي للمشاركة في مهرجان البحرين المسرحي الرابع.”
وأشارت الداوود إلى أن اختيار فلامرزي للنص الأصعب بين نصوصها يمثّل خطوة جريئة، وقالت: “النص يحمل طابعًا فكريًا وفلسفيًا وبعض ملامح العبثية، وحرصنا من خلاله على إيصال رسالة إنسانية واسعة تتجاوز الحدود الجغرافية، تدعو للتكاتف وتجاوز الخلافات التافهة التي تبعدنا عن بعضنا.” وأضافت: “هناك أمور سطحية تفرّقنا، مقابل قضايا عظيمة تجمعنا، وأحيانًا ننشغل بما لا يستحق بينما تصل إلينا زوبعة لا تطرق الأبواب.”
وبشأن المعالجة الاخراجية للعمل، قالت :”سعيدة بالقراءة العميقة التي قدّمها المخرج للنص، فقد تعامل مع أبعاده المتعددة بحس فني عالٍ، ونجح في توظيف السينوغرافيا بذكاء جعله يفاجئ الجمهور دائمًا بما هو غير متوقع.”
كما أثنت على أداء الممثلين بالقول: “كان الأداء الجماعي مميزًا، وأشيد بالفنان عبد الله سويد وبالممثلين الشباب الذين قدّموا جهداً ملفتًا رغم اختلاف مستويات الخبرة.”
وأكدت الداوود أن تقديم هذا النص كان خطوة جريئة بالنسبة لها، موضحة: “كان هذا النص خروجًا عن النمط الذي اعتدت عليه، وأسعدني التعاون مع مخرج يمتلك الجرأة ذاتها في تنفيذ رؤية جديدة والمجازفة بتقديمها للجمهور.”
وأضافت مؤكدة دور الجمهور في التجربة: “استطاع فلامرزي أن يجعل الجمهور شريكًا في العرض، يدفعه للتفكير والتفاعل وحتى الاستماع في لحظات الصمت. وفي النهاية، كان هدفنا أن يعيش الجمهور معنا التجربة لا أن يكون مجرد متلقٍ.”
وتجدر الإشارة إلى أن مسرحية “الزوبعة خارج الفنجان” هي من إنتاج مسرح أوال، وتأليف الكاتبة تغريد الداوود، وإخراج وسينوغرافيا حسن فلامرزي، مساعدة إخراج وتمثيل ندى المالود. وتولى عبدالرحمن العطاوي إعداد الموسيقى، وعيسى خليفة تنفيذ الإضاءة. وشارك في التمثيل نورة عيد، عبدالله سويد، حمد عابد، عبدالله فلامرزي، عبدالرحمن إسماعيل، ناصر البوسعيدي، مصطفى شاكر، عمار خميس، أمينة العريبي، ويعقوب شويطر، فيما أشرف على العمل أنور أحمد، وتولى أحمد جاسم إدارة الإنتاج، وحمد عتيق الإدارة.
المصدر : صحيفة اليمامة الجديدة
