مقالات

“التَمسُّك بالحِجَاب وقصة الرحلة “191”” بقلم : خالد عمر حشوان

قال الامام ابن باز -رحمه الله- عن الحجاب للمرأة عند غير محارمها بأنه أمر لازم ولابد منه، وذلك للابتعاد عن الفتنة للمرأة نفسها ولغيرها وأستشهد بقول الله تعالى في أزواج النبي عليه الصلاة والسلام وغيرهن من باب أولى {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} (الأحزاب-53)، وقال الله أيضاً في سورة النور {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۖ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ ۚ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (الآية-31).

أما موضوع مقال اليوم فهو قصة مؤثرة لـفتاة مسلمة تُدعى “هالة عتيق” حدثت في عام 1979م كانت تُؤمن إيمانا كاملاً بضرورة الحجاب إرضاءً لوجه الله تعالى مهما كانت الضغوط والمتطلبات الدنيوية، حيث قرَّر والدها “عتيق” الهجرة من سوريا إلى الولايات المتحدة الأمريكية في ذلك الوقت وكان لابد من أن يسبق عائلته لأمريكا من أجل الاستعداد وتجهيز كافة متطلبات العيش لعائلته، وعند الانتهاء من ذلك أبلغ زوجته وبناته الثلاث التي كانت أصغرُهنَّ هالة ذات الـ 13 ربيعاً للحاق به، وعند توقف الطائرة بمطار نيويورك وهنَّ جميعا يرتدِين الحجاب، طلبت منهنَّ إدارة أمن المطار خلع الحجاب والتصوير بدونه من أجل إصدار بطاقات الإقامة الأمريكية حسب القوانين المتعارف عليها في حينه، ونظرا لأن والدة هالة كانت امرأة بسيطة وانتابها شيءٌ من الخوف مع الرغبة في اللحاق بزوجها، وافقت على مضض هي والابنتان الكبيرتان على التصوير دون حجاب، وعندما جاء الدور على الطفلة هالة رفضت تماماً خلع الحجاب وأصرَّت على ذلك رغم محاولات رجال الأمن وتحذيرهم لها بعدم الدخول لأمريكا بصورة مع الحجاب الذي يُغطي الرأس وقالت مقولتها الشهيرة لهم والدموع تنهمر من عينيها “إذا كان شرط دخولي لأمريكا هو التخلي عن ديني، فاعيدوني إلى بلدي سوريا”، فقرر رجال الأمن تصعيد الموضوع إلى رؤسائهم في المطار الذي استغرق وقتاً تجاوز الساعتين والنصف مما أدى لإقلاع الرحلة “191” المتجهة إلى شيكاغو ثم إلى كاليفورنيا وخسارتهن لجميع تذاكرهن حيث كان الأب في انتظارهن بكاليفورنيا، وبعد فترة من المداولات بين مسؤولي المطار تمت الموافقة على تصوير هالة بحجابها، وتم شراء تذاكر جديدة لرحلة أخرى تُقلِّهن من نيويورك إلى كاليفورنيا وإبلاغ الأب بتغيير الرحلة دون تفاصيل، وعندما وصلت الرحلة للمطار كان الأب في استقبالهن والدموع تنهمر من وجنتيه وهو يستفسر منهن ” كيف نجوتنَّ؟ ” وهو يقصد بذلك طائرة الرحلة “191” التي تبين لهنَّ لاحقاً أنها سقطت وتُوفي جميع ركابها في أسوأ حادثة كانت في المطارات الأمريكية والأكبر دموية في ذلك الوقت، هنا حمدت الطفلة هالة ربَّها وقالت “لقد أنجانا الله بفضله ثم بديني وحجابي” وأصبحت هالة هي صاحبة أول صورة بالحجاب في بطاقات الإقامة الأمريكية وهي تفخر بإسلامها وتمسكها بدينها أولاً ثم بذلك الموقف ثانياً.

وهنا وجب التنويه على أن المصطفى عليه الصلاة والسلام بَيَّنَ لنا أن التبرج صفة من صفات أهل النار في قوله “صِنْفانِ مِن أهْلِ النَّارِ لَمْ أرَهُما، قَوْمٌ معهُمْ سِياطٌ كَأَذْنابِ البَقَرِ يَضْرِبُونَ بها النَّاسَ، ونِساءٌ كاسِياتٌ عارِياتٌ مُمِيلاتٌ مائِلاتٌ، رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ البُخْتِ المائِلَةِ، لا يَدْخُلْنَ الجَنَّةَ، ولا يَجِدْنَ رِيحَها، وإنَّ رِيحَها لَيُوجَدُ مِن مَسِيرَةِ كَذا وكَذا” (صحيح مسلم)، وأكد أيضا عليه أفضل الصلاة والسلام أن التبرج من صفات المنافقات في قوله “خَيْرُ نِسَائِكُمُ الوَدُودُ الوَلُودُ، المُوَاتِيَة، المُوَاسِيَة، إذا أتَّقَيْنَ اللهَ، وشَّرُّ نِسَائِكُمُ المُتبَرِّجَاتُ المُتَخَيلاَتُ، وهُنَّ المُنَافِقَاتُ، لا يَدْخُلُ الجَنَّة مِنْهُنَّ إلاَّ مِثلُ الغُرَابِ الأعْصَمِ” (الألباني – السلسلة الصحيحة)، ومعنى الغراب الأعصم: أي الذي إحدى رجليه بيضاء وهو نوع نادر جداً، والتشبيه هنا دليل على ندرة نجاة المتبرجات من العذاب.

ورسالتي من هذا المقال هي أننا لا نعلم متى يأتينا ملك الموت وفي أي لحظة وعلى أي هيئة ولابد أن نستعد للموت الذي هو قريب مِنَّا، كما يقول الله تعالى في كتابه {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إليه مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} (ق – 16)، كما حدث لهذه الفتاة الملتزمة بحجابها والتي كان ملك الموت قريبٌ منها ورفضت التبرج وكادت أن تترك الرحلة وتعود لبلدها ولكنَّ الله أنجاها بفضله وكرمه وقدرته وبدَّلها خير من ذلك، وهو تأكيد لما ورد عن المصطفى عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي قال فيه “إنَّكَ لَنْ تدَعَ شَيْئاً لله عَزَّ وجَلَّ، إلاَّ بَدَّلَكَ اللهُ بِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ مِنْه” (الألباني – السلسلة الصحيحة).

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى