التقنية..وكسل الإعلام !
الرياضي هو جزء من الإعلام بشكل عام مهمته الأساسية الإعلام والإخبار ونقل الخبر بالكلمة أو الصوت أو الصورة ،والإعلام الرياضي يهتم بمجال واحد و هو المجال الرياضي الذي يعنى بأخبار الرياضة و الرياضيين و يعتبرون الموضوع الأساسي له ، فالإعلام الرياضي يهدف إلى إيصال كل المعلومات و الأخبار عن الرياضيين و العاملين في المجال الرياضي من أخبار وأنشطة وبطولات إقليمية ودولية إلى المتلقي عبر وسائله المختلفة.
ولا يوجد تاريخ محدد لظهور الإعلام الرياضي في العالم ، لكن يرجح الباحثون أنه ظهر مع ظهور الألعاب الأولمبية الحديثة في عام ١٨٩٦ ميلادية وهو تاريخ غير مؤكد.
لكن لو ألقينا الضوء على الإعلام الرياضي نجده تطور بشكل مضطرد وسريع جدا جذبته الأحداث العالمية أولها الألعاب الأولمبية وكذلك إنطلاق أول نسخة لكأس العالم عام ١٩٣٠ ، فبعد أن كان ورقيا من خلال المطبوعات ، إلا أن الإذاعة كانت إحدى الوسائل المتقدمة التي كانت تنقل من خلالها منافسات الأولمبياد ومباريات كأس العالم وأيضا الرياضات القديمة مثل البيسبول والفروسية ، وزاد تطورا مع ظهور الاحتراف الرياضي عامة ومع إكتشاف التلفزيون حيث ظهرت أول خدمة منتظمة في الولايات المتحدة الأمريكية عام ١٩٢٨ حيث خلق نقلة نوعية في الإعلام عامة والرياضي خاصة .
مع مرور السنوات ومع التطور المتلاحق الذي تعيشه البشرية في مختلف المجالات منها الاعلام ، ظهرت الأقمار الصناعية والبث المباشر الذي جعل من المشاهد يعيش الحدث وكأنه هناك ،أيضا إنتشار القنوات الرياضة التي صارت تتسابق في شراء الأحداث بمئات الملايين لنقلها وأزدهرت معها صناعة الإعلام الرياضي الذي أصبح غالبيته إحترافا من خلال مقدمي البرامج والمصورين والمعلقين والمحللين والفرق الفنية الداعمة بعد أن كان الإعلام يجذب الهواة ومعظم العاملين به يعملون كوقت إضافي ، ويواصل هذا الحقل تطوره المستمر مع تطور الأدوات ودخول التقنية الحديثة .
وخلال العقدين الإخيرين كانت للتقنية دور كبير في تطور الإعلام الرياضي في مختلف المجالات بدءا بالفاكس لإرسال الأخبار ، ثم الحاسب الآلي الذي غير كل شيء وساهم في نقل الصورة والكلمة من الملعب وكذلك اسهم في جودتها ونقاوتها ، ونفس الحال لدى التلفاز الذي ساعده في الربط ونقل الحدث المباشر ومن أكثر من موقع في آن واحد.
وأخيرا يشهد الإعلام الرياضي ثورة في السرعة والآنية من خلال وسائل التواصل الإجتماعي(السوشال ميديا) والوسائط المتعددة ( الملتي ميديا) وأصبح الخبر ينتشر بالصورة والصوت في ثوان ، فمن خلاله تمكن المشاهد من إقتحام غرفة تغيير ملابس الفريق وخصوصية الرياضيين والتفاصيل الصغيرة التي كانت من المحال الوصول إليها سابقا أو لنقل من الصعوبة وأصبحت مواقع الاندية وحسابات المسؤولين واللاعبين تشكل مصدرا للمعلومة .
فرغم التطور التقني من سرعة في الحصول على المعلومة والصورة والخبر ، إلا أن ذلك أثر على الإعلام سلبا خصوصا الإعلام التقليدي، الصحف والمجلات والتلفزيون والإذاعة، فلم يعد يعتد عليها في إستقاء الأخبار والنتائج ، فوسائل التواصل الإجتماعي بأنواعها تتكفل بذلك خلال ثوان معدودة من خلال الهاتف الشخصي أو الأجهزة اللوحية والمطوية ، الأمر الذي أثار كسلا لدى ممارسي الإعلام الرياضي الذين أصبحوا يستقون الأخبار وهم يحتسون فنجان القهوة بالمقهى أو بمكاتبهم دون بذل جهد كما في السابق ، فالصورة القديمة لعمل الإعلام لا تزال عالقة في الأذهان عندما كان الصحفي يتجول من بداية يومه في أروقة الاتحادات الرياضية أملا في الحصول على خبر حتى أطلق عليه مصطلح ( المخبر) وكان يضطر لإجراء عدة إتصالات للحصول على المعلومة ، ولا زلنا نتذكر عندما كنا نتابع مباريات كأس الخليج من المذياع كما نتذكر إرسال الصور عن طريق الطائرة وإستلامها في اليوم التالي ونتذكر الجلوس أمام ( الفاكس) في إنتظار إرسال الخبر ، أو العودة من الملعب وسط الزحام إلى مقر الصحيفة لكتابة أخبار أكثر من فعالية تم تغطيتها في نفس اليوم.
للأسف أصبح الصحفي مع دخول التقنية الحديثة كسولا للغاية وأصبحت مصادر معظم أخباره من التلفاز أو السوشال ميديا وهذا ما يجعله يقع في الخطأ ، لأن غالبية هذه المصادر همها السرعة والتسابق في النشر
ومنها خالية من المصداقية ، فخبر إنتقال لاعب مثلا يتناقله مصدر ما، فيتم تكراره بجميع لغات العالم دون التحقق وفي النهاية يكون غير صحيح وغير مكتمل وبه نواقص، ومن مظاهر الكسل في العمل الإعلامي الحصول على الأخبار الجاهزة من المؤسسات الرياضية والتي يطلق عليها ( أخبار معلبة) وتنشر دون تدخل من الصحفي أو بذل أي جهد بها ،كما أن التقنية الحديثة أضعفت من جودة العمل الإعلامي ، فمثلا باتت الحوارات الصحفية تجرى من خلال أسئلة جامدة عبر رسالة ( واتس أب) نصية أو صوتية وكذلك بالنسبة لرد الضيف، متجاهلا أن الحوار علم وفن من فنون الصحافة والإعلام ،فحوار الضيف مباشرة من خلال محاصرته بالأسئلة وأحيانا إستفزازه يجعله يقدم للمحاور أو المتابع للحوار بمعلومات مهمة ومثيرة للإهتمام.
ناهيك عن نقل المباريات وحتى المؤتمرات الصحفية من خلال التلفاز أو البث ، وهذا يمثل قمة الكسل لدى الصحفي ، فتواجد الصحفي في الحدث يساعده في الخروج بفوائد جمة ، من خلال إلقاءه سؤالا حصريا لمؤسسته أو حوارا جانبيا خاصا أو يدون مشاهدات تنفرد به وسيلته الإعلامية .
التقنية الحديثة رغم فوائدها إلا أنها تهدد بقوة الكادر البشري وتزيحه شيئا فشيئا ، وهذا مايحصل في الرياضة، فالإحصائيات أصبحت تقنية ، والنتائج أصبحت مباشرة عبر مختلف الوسائل، وتدفق الأخبار أصبح بفضلها أكبر عما كان بكثير الأمر الذي دفع كثير من المؤسسات الإستغناء عن الكادر البشري، فأقالت وسرحت المؤسسات الإعلامية من محطات تلفزيونية وإذاعية وصحف الكثير من الكوادر المجيدة ، ما يجعلنا نناظر ماذا ستفعل التقنية بالإعلام مستقبلا.