“أهميّة ومكانة الأخلاق في الإسلام” بقلم: عائشة محمّد العسيري – باحثة دكتوراه بجامعة أم القرى – مكّة المكرمة
لا شكّ أن النظام الأخلاقي هو جوهر الإسلام ولبّه وروحه السارية في جميع جوانبه، ذلك أنّه نظام يتكامل فيه الجانب النظري مع الجانب العملي، كما تعـدّالأخـلاق موضـوعاً محورياً في منظومـة التشريعاتالإسلامية، وقضية مركزيّة في خطاب الـوحي ومضمون الرسالة الإلهية لقـول الرسول ﷺ: (إنما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق)، فالغرض من بعثته ﷺ هو إتمام الأخلاق، والعمل على تقويمها، وإشاعة مكارمها.
وهذا يعني أن الأخـلاق عـلى صلة وثيقة بالدعوة الإسلامية وبحملة هذه الدعوة، وأنـه لا يقبل في المنهج الإسلامي البتّة أن تقدّم الدعوة للنـاس مفرغة من محتواها الأخلاقي، ولا يرتضى أبـداً أن يكـون حاملالدعوة عارياً من لباس الأخلاق الإسلامية، ولذلك حرص رسول الله ﷺ منذ بداية الدعوة على بيان أنّ من القيم العظمى للدعوة التي جاء بها، قيمة الأخلاق، كما حرص على أن يكون هـو بنـفـسه أنموذجاً أخلاقياً يدعو إلى مكارم الأخلاق بالأفعال قبل الأقوال، وظهر منهجه الأخلاقـي هـذا في أصحابه الذين اقتدوا به في أخلاقهكما في عقيدته وعبادته، فتجلت فيهم شخصية المؤمن الداعية المتكاملة. (1)
وقد تقرر عند العلماء أنّه لا يوجد فكرٌ ديني دون أن يكون هناك فكرٌ أخلاقي، انطلاقًا من أنّ الفكر الديني هو الذي يحدّد الإطار العام لأفكار معتنقيه، ويجيب عن التساؤلات الإنسانية الكبرى، مثل: خلق الإنسان والتدبر في نعم الله وآلائه، أما الفكر الخلقي فإنه يحدّد أنماط السلوك التي يمارسها الإنسان في هذه الحياة، ومن المعروف أن الإسلام عقيدة وشريعة؛ فالعقيدة تتضمن الفكر والشريعة تتضمن أنماط السلوك تجاه المولى- عز وجل- كما في العبادات، أو تجاه النفس كما في العفة والطهر ونحوها، أو تجاه الآخرين كما في البر والصدقة والإيثار ونحو ذلك. (2)
والأخلاق الإسلاميّة تُخضِع كلّ سلوك ما ظهر منه وما بطن لروح الأخلاق التي جاء بها، وهي تستهدف من وراء ذلك صلاح الإنسان وسعادته في هذه الحياة، وإذا كان الأمر كذلك فإن مجال الأخلاق هو هذه الحياة كلها؛ لأن الأخلاق إذا كانت نمطاً للعمل وللسلوك في الحياة فإن عمل الإنسان لمساعدة الآخرين أخلاق، وعمله لكسب قوته وقوت من يعوله أخلاق، وإيمانه بالله وعبادته له أخلاق؛ بل لا يتحقق البر دون الإيمان والعبادة، والبر هو الأخلاق والأخلاق هي البر، والأعمال العلمية سواء كانت للتكامل الذاتي أو لخدمة الحياة الإنسانية أخلاق،ثم إن معاملة الإنسان للكائنات الحية الأخرى بالرفق أخلاق، وإيذاءه لها ليس بأخلاق، كذلك تحمله أعباء الحياة والصبر على ما يصيبه من المصائب فيها أخلاق أيضًا،(3) لذلك لا بدّ من إخلاص النيّة لله سبحانه وتعالى في كلّ عمل أخلاقي نقوم به، حتى ننال ثوابه.
إن السلوكيات الأخلاقية وآدابها هي التي تميّز سلوك الإنسان عن سلوك البهائم، سواء في تحقيق حاجاته الطبيعية أو في علاقاته مع غيره من الكائنات الأخرى، فالآداب زينة الإنسان من حيث الجنس،والأكل، والشرب، والنظافة، وتذوق السلوك الجميل،وتمييزه عن السلوك القبيح، والبحث عن أفضل العلاقات وأحسنها في المعاشرة والمحادثة والتعاون والتآلف وتبادل المحبة والإكرام والإحسان والتراحم والتعاطف وغيرها، ولهذا فالآداب الأخلاقية زينة الإنسان وحليته الجميلة، وبقدر ما يتحلى بها الإنسان يضفي على نفسه جمالاً وبهاءً، وقيمة إنسانية. (4)
وقد وضع الإسلام معاييرًا أخلاقيّة ذاتيّة أو داخلية يستطيع المرء من خلالها التمييز بين الصواب والخطأ، وبين المحمود والمذموم من الأخلاق، وهي العقل، والمعيار الوجداني أو الضمير، كذلك النيّة والإرادة والغاية الخيّرة، فمعياريّة العقل والوجدان: مقياساً لتمييز السلوك الأخلاقي من اللاأخلاقي، تميّز بها الذات الفاعلة عندما يقوم نفسه بنفسه في ضوء نياته، ومعياريّة الغاية من حيث إضفاء القيمة على السلوك الأخلاقي وبيان درجتها.
وتمتاز الأخلاق الإسلامية بأنها واقعية عملية وليست مثالية، كما أنها تؤكد حرية الإنسان، واختياره ومسئوليته عن فعله، وتتميز أيضًا بأنها إيجابية شاملة بعيدة عن الانحراف والغلو، وهي بذلك صالحة لكل زمان ومكان، كما أن الإسلام شرع أحكامًا لحماية المجتمع من التردّي الخلقي الذي يؤدى إلى الهلاك، وذلك واضح في العقوبات الحديّة والتعزيرية. (5)
وبناء على ما سبق يمكننا القول أنّ مكارم الأخلاق ضرورة اجتماعية لا يستغني عنها مجتمع من المجتمعات، حيث تعدّ سببًا في حفظ المجتمعات والأمم وبقائها، ودوام مجدها وعزّتها، ومتى فقدت الأخلاق تفكك أفراد المجتمع، وتصارعوا، وتناهبوا مصالحهم، وانتهى بهم ذلك إلى الانهيار ثم الدمار، فالإنسان دائمًا بحاجة ماسّة إلى نظام خلقي يحقّق حاجته الاجتماعية، ويحول دون ميوله ونزعاته الشريرة، ويوجهه إلى استخدام قواه في مجالات يعود نفعها عليه وعلى غيره.
المراجع:
(1) خطاطبه، عدنان مصطفى. (1433ه). التربية الأخلاقيّة للداعية المسلم في ظل الواقع المعاصر، مجلة الدراسات الإسلاميّة، المجلد 25، العدد (1)، ص 202
(2) ابن حميد، صالح. (1418ه). نضرة النعيم في أخلاق الرسول الكريم ﷺ، ط1، الناشر: دار الوسيلة للنشر والتوزيع، ص67
(3) يالجن، مقداد. (1413ه). علم الأخلاق الإسلاميّة، ط1، الناشر: دار عالم الكتب، ص86.
(4) يالجن، مرجع سابق، ص7.
(5) حاتم، محمد عبد القادر. (1409ه). الأخلاق في الإسلام، ط1، الناشر: الهيئة المصريّة العامة للكتاب. (بتصرف)