ارتفعت الشمس إلى كبد السماء، وبدأت رياح الصيف المحرقة تلفح وجهه الذي رسمت عليه تجاعيد الزمن، كأنه لوحة سطّرت رحلة الكفاحوالعناء، وبدأت خطواته تتثاقل، وبالكاد أصبح قادرًا على صعود تلال الرمال الحمراء، رفع فم القربة عله يروي ظمأه، لكن هيهات! لقد نفذ مابها من قطرات، وهنا اختلطت عليه المشاعر، فلا يدري أهو موشك على الهلاك أم لا يزال له حظ من الحياة، في هذه الأثناء تراءى له من بعيدخيال نخيل باسقات، وبدأت روحه تعود إليه، وأخذ يسرع الخطى، وكأنه يسابق لحظات الزمن، أخذ يحدث نفسه هل يمكن أن تكون هذه هيالواحة التي حدثني عنها جدي، لطالما اشتقت لرؤية بساتينها وأفلاجها. وأخيرًا وصل المسافر إلى واحة البريمي الغناء، بعد رحلة شاقة فيصحراء الربع الخالي.
هكذا كانت رحلة العبور قبل ظهور النفط، وهكذا كانت البريمي ملتقى للقوافل من الشمال إلى الجنوب، ومن الغرب إلى الشرق، تاريخهاموغل في القدم فمنذ (2500 ق.م) كانت جزءًا من حضارة أم النار في العصر البرونزي.
وتشكلت عبر مئات السنين واحاتها الخضراء، وكانت أفلاجها مصدرًا للحياة في وسط الصحراء، وبقيت البريمي مركزًا تجاريًا يربط بينالشرق والغرب، والشمال والجنوب، وعرف سوق حماسة كأحد الأسواق الرئيسية في المنطقة ولا زالت آثاره باقية، شاهدة على مكانتها التجارية.
لقد احتلت واحة البريمي أهمية سياسية بارزة في مختلف الحُقب التاريخية، حيث اتخذها ملوك عُمان مقرًا لهم في نهاية العصر الجاهليوبداية العهد الإسلامي، وعُرفت باسم توام، وتشير المراجع التاريخية أنها كانت من المناطق التي بقيت على العهد النبوي ولم ترتد عنالإسلام، حيث أشار سامي المغلوث في كتابه “أطلس حروب الردة” أنها كانت معبرًا لجيوش الصحابة -رضي الله عنهم- في محاربةالمرتدين.
ومرت القرون تلو القرون، وبقيت واحة البريمي مصدر إلهام واهتمام، ومحط أنظار وأطماع، وذلك بسبب ثرواتها الطبيعية، وموقعهاالجغرافي الذي بوأها مكانة متميزة وفريدة، بوصفها البوابة الغربية لعُمان.