العقوبات البديلة هي أساليب قانونية تستخدم كبديل للعقوبات التقليدية، مثل السجن، وتهدف إلى تحقيق العدالة والمساءلة بطرق أكثر إنسانية وفعالية، والحد من معاودة ارتكاب الجريمة. وحيث عرّفها البعض بأنها تلك ” الجزاءات التي يضعها المشرّع أمام القاضي لتحل بصفة ذاتية وموازية مع العقوبات السالبة للحرية، فهي افتراضاً تتُخذ فيها جميع الإجراءات، وصدور حكم بعقوبة أو تدبير آخر لا ينطوي عليه سلب حرية المحكوم عليه” . وتستند العقوبات البديلة إلى نظريات بديلة للعدالة التقليدية القائمة على الإنتقام، وإلحاق الألم بالجاني. بحيث تُحمّل الجناة المسؤولية عن أفعالهم، وتتيح لهم الفرصة لفهم الخطأ الذي ارتكبوه، وبالتالي التكفير عن ذنبهم، وإثنائهم عن التسبب في مزيداً من الأذى. كما تهدف تلك العقوبات على تسهيل إعادة إدماج الجاني في المجتمع، مع التركيز على التعويض وإعادة التأهيل.
ومن أبرز أنواع العقوبات البديلة: الخدمة المجتمعية، حيثُ يجب على الجاني أن يؤدي عملاً تطوعياً لصالح المجتمع، وبالتالي التعويض عن الضرر الذي تسبب فيه. ثانياً المراقبة، حيث يخضع الجاني للمراقبة خلال فترة معينة، لضمان عدم ارتكابه جرائم جديدة. ثالثاً دورات إعادة التأهيل، فيُطلب من الجناة المشاركة في برامج تعليمية تهدف إلى تغيير سلوكهم وزيادة وعيهم القانوني. رابعاً الغرامات، أي تُفرض غرامات بدلاً من السجن لتعويض الضحايا. خامساً – موضوع المقال – تقديم الإعتذار: حيثُ يُطلب من الجاني تقديم اعتذار رسمي للضحية مما يُساهم في تعزيز عملية الشفاء.
تقديم الإعتذار كعقوبة بديلة هو مفهوم حديث في العدالة الجنائية، وهو وسيلة لتعزيز التفاهم والمصالحة بين الأفراد، حيثُ يُعقد اجتماع بين المعتدي والمعتدى عليه، حتى يتسنى للأول أن يقدم اعتذاراً عما بدر منه تجاه هذا الأخير، وللتوصل إلى إجماع على ما يجب أن يفعله المعتدي ليعوض المعتدى عليه عن الأذى الذي لحق به من الإعتداء. ويهدف الإعتذار إلى معالجة الضررالناجم عن الجريمة بطريقة إيجابية. وحيثُ أنه موضوع مهم في القانون الجنائي؛ لأنه يحدد
المسؤولية الجنائية، ويلعب دوراً في كيفية تعامل النظام القانوني مع الجرائم الجنائية. ويشير الإعتذار إلى حالة يمكن فيها التنازل عن العقوبة المفروضة على الجاني أو تخفيفها.
بمعنى آخر يشير الإعتذار إلى الأسباب أو الظروف التي تبرر سلوك الجاني، وتؤدي إلى تخفيف العقوبة أو إعفائه منها. جديراً بالذكر أن التطبيق العملي للإعتذار يختلف من بلداً لآخر، فبعض الأنظمة القانونية، مثل القانون الفرنسي، أكثر تقبلاً للإعتذار، في حين أن بعض الأنظمة القانونية الأخرى يكون تأثير الإعتذار فيها أضعف . وبالنسبة لقانون الجزاء العماني رقم (7/2018) فإنه استحدث مؤخرًا عقوبات تكميلية جديدة، إلا أن المشرّع لم ينص على اعتبارها عقوبات بديلة، بل هي عقوبات تبعية وتكميلية يشترط فيها أن تكون مضافة لعقوبة السجن ، وهو المسلك الذي لا يتوافق مع رؤية عمان 2040. ومن خلال مطالعتنا لنصوص القانون الجزائي العماني نجد أنه أغفل عن بعض صور العقوبات البديلة، كجواز تقديم الإعتذار بدلاً عن العقوبات التقليدية لإصلاح الضرر الناشئ عن الجرية ، والتي قد تتلائم بشكل أكبر مع البيئة العمانية بالنسبة للجرائم البسيطة المرتكبة من طرف المجرمين قليلي الخطورة.
وأخيراً تقديم الإعتذار كعقوبة بديلة يتطلب توافر عدة شروط لضمان فعاليته، وتأثيره الإيجابي في تعزيز العلاقات المعنيية، ومنها: أولاً الاعتراف بالخطأ، حيث يجب على الجاني أن يعترف بخطأه ويدرك الأذى الذي تسبب فيه لغيره. ثانياً الإرادة الصادقة، أي ينبغي أن يكون الإعتذار ناتجاً عن رغبة حقيقية للتعويض والتصحيح، وليس مجرد إجراءاً شكلياً. ثالثاً موافقة الضحية، بحيث يجب أن تقبل الضحية بالإعتذار، ويعتبر ذلك جزءاً أساسياً من العملية. رابعاً عدم تكرار الجريمة، بحيث يتطلب أن يُظهر الجاني إلتزاماً بعدم تكرار السلوك الإجرامي. خامساً الاتزام بشروط إضافية: قد تتضمن الشروط الأخرى المشاركة في دورات تأهيلية، أو تقديم تعويضات مالية. سادساً وجود بيئة داعمة لهذا الإعتذار لتعزيز التغيير الإيجابي.
وعلى ضوء ما تقدم، نرى أن عقوبة تقديم الإعتذار كبديل للعقوبة التقليدية تُساهم في تقليل عدد السجناء، مما يخفف الضغط على النظام السجني، ويحسن ظروف الإحتجاز، ويركز على تأهيل الجاني بدلا من معاقبته فقط، فتزيد فرصة إعادة إدماجه في المجتمع، كما يوفر وسيلة لتحقيق العدالة للضحية، ويسرع من عملية الشفاء النفسي له. بالتالي نعتقد أنه من الأجدار إدخال مثل هذه العقوبات البديلة في قانون الجزاء العماني.
آمنة بنت سيف بن علي الحمراشدية
جامعة السلطان قابوس
باحثة ماجستير في القانون الجزائي