كانت الجماهير السعودية خاصة والآسيوية عامة على موعد مع لقاء مثير لنادي الاتحاد السعودي مع سباهان الإيراني في ملعب نقش جهان بأصفهان يوم الإثنين الموافق الثاني من شهر أكتوبر ضمن منافسات الجولة الثانية من دور المجموعات في دوري أبطال آسيا لكرة القدم 2023-2024م، بعد قرار الاتحاد الآسيوي بإقامة مواجهات الأندية السعودية والإيرانية بنظام الذهاب والإياب بين البلدين والتي كانت تُقام على أرض محايدة منذ 2016م بسبب الأزمة الدبلوماسية بين البلدين، ولكن بعثة نادي الاتحاد السعودي وخاصة اللاعبين تفاجأوا عند دخولهم الملعب بوجود تماثيل نصفية (لا يستحق صاحبها الذكر) منصوبة داخل الملعب، وليس لها علاقة بالرياضة والتي تتنافى مع لوائح الاتحاد الآسيوي وأهمها منع استخدام الشعارات السياسية في منافسات كرة القدم، فطلبت إدارة النادي السعودي من المسؤولين الإيرانيين إزالة التماثيل قبل البدء في عمليات الإحماء للاعبين وتم تأخير انطلاق المباراة إلى أن قوبل طلبهم بالرفض فقام مراقب الاتحاد الآسيوي حينها بتدوين كافة التجاوزات المذكورة في تقريره الخاص بالمباراة، وبادرت إدارة الاتحاد على الفور بتوجيه اللاعبين إلى غرف تبديل الملابس ورَفْضْ خوض المباراة ومُغادرة الملعب اعتراضاً على وجود مخالفات واضحة وتمسكاً بحقوق النادي الكاملة، وكان الاتحاد الآسيوي لكرة القدم قد أعلن لاحقاً إلغاء المباراة بسبب ظروف غير متوقعة (على حد تعبيره في البيان) وأنه سيتم إحالة الأمر إلى اللجان المختصة.
موقف نادي الاتحاد البطولي:- نادي الاتحاد السعودي هو النادي الذي يحمل لقب “نادي الوطن” في المملكة العربية السعودية بعد حصوله على بطولة دوري أبطال آسيا عام 2005م وسيطرته على اللقب للمرة الثانية على التوالي، فأطلق عليه ملك الإنسانية الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- لقب “نادي الوطن” عندما تشرفت إدارة ولاعبي الفريق باستقباله الكريم في ذلك الوقت، وأُعْتُبِرَ هذا اللقب أمانة حملتها إدارة هذا النادي البطل مع اللاعبين وكافة الأجهزة الإدارية والفنية واستشعرتها ليلة المباراة في الدفاع عن الوطن على كافة الأصعدة، حتى لو كان الثمن هو خسارة البطولة الآسيوية، وكان موقف نادي الاتحاد موقف مُشَرِّف ووطني وبطولي وشجاع وحازم في نفس الوقت برفض النزول للملعب والانسحاب من المباراة وإعطاء درس لا يُنسى ليس للقائمين على التنظيم في ملعب أصفهان فقط، بل للقارة الآسيوية بأكملها، وهو أن هناك مبادئ وأوليات تتجاوز التنافس الرياضي ونقاط المباراة والبطولة الآسيوية نفسها.
وما أعجبني بكل صراحة هي ردة فعل الجماهير السعودية ليلة المباراة في كافة وسائل التواصل الاجتماعي باختلاف ميولها وتوجهاتها الرياضية ووقوفها مع نادي الوطن ودعمها الكامل وتأييدها له في قرار رفض خوض المباراة مهما كانت النتائج وأن الوطن خط أحمر يقف خلفه كل الشعب السعودي بعزم وحزم وتكاتف.
مواقف النادي الأهلي السعودي البطولية السابقة:- سَجَّلَ النادي الأهلي السعودي أول موقف بطولي مُشرِّف في بطولة دوري أبطال آسيا عام 1974م بعد قرار إدارته الانسحاب من هذه البطولة نظراً لمشاركة فريق إسرائيلي في منافساتها وتخلى الأهلي عن البطولة من أجل سُمو هذا الوطن الغالي والذي يعتبر رائداً للعالم الإسلامي، وعاد هذا النادي الراقي المُلقب بـ “سفير الوطن” مرة أخرى والذي يحمل شعار الوطن ولونه الأخضر ليؤكد موقفه الراسخ في حُب الوطن والولاء له، بموقف مُشرف آخر في بطولة كأس أبطال الكؤوس الآسيوية عام 1999-2000م بالانسحاب من خوض المباراة النهائية في تايلند بعد أن وصل لها بكل جدارة واستحقاق، ورغم أنه كان المرشح الأول للبطولة والأقرب لحمل كأس بطولة كبيرة ومهمة ضَحَّى بها من أجل عيون وشموخ الوطن، وكان الانسحاب في ذلك الوقت بسبب مشاكل سياسية كانت بين السعودية وتايلند، وهو ما يدل على أن الأندية السعودية تسير على خطى ومبادئ ثابته عندما يكون الوطن طرف أساسي فيها.
وأخيراً وليس آخراً أصل لهدفي الرئيس من هذا المقال والذي هو توجيه رسالتين مهمتين، أولاهُما مُوَجَّهَه للجماهير السعودية عامة وجماهير نادي الاتحاد خاصة، بأن هذا الانسحاب مهما كانت نتائجه فهو مفخرة للشعب السعودي والرياضة السعودية حتى لو كلفنا الأمر تقديم البطولة الآسيوية أُضْحِيَة للوطن الغالي على قلوبنا وأن موقف الشعب السعودي ثابت ومبادئه راسخة لا تتغير مهما حاول الأعداء والمُستفزين والحاقدين من محاولات فاشلة تدل على تدنى المستوى الفكري لديهم ولا تحرك ساكنا في نفس الشعب السعودي الكريم.
وأما الرسالة الأخرى فهي مُوَجَّهَه إلى الاتحاد الآسيوي لكرة القدم والذي له مواقف غير جيدة مع الرياضة السعودية ويشهد لها التاريخ منذ سنوات، بأن يمتلك هذا الاتحاد الآسيوي الشجاعة والجرأة في إلغاء مباراة سباهان الإيراني والاتحاد السعودي وحسم النقاط لصالح فريق الاتحاد السعودي، ليس عاطفةً بل من واقع أنظمة الاتحاد الآسيوي المُشَرَّعَة مسبقا ولائحة البطولة التي تنص على منع استخدام أي شعارات سياسية في البطولة واستغلالها لذلك، كما أتمنى من نادي الاتحاد، والاتحاد السعودي لكرة القدم في حالة صدور أي قرار لا ينص على منح نادي الاتحاد حقه من نقاط المباراة كاملة ومحاولة الاتحاد الآسيوي إعادة المباراة، بتصعيد الموضوع إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” وتقديم شكوى رسمية خاصة وأن “الفيفا” يرفض أي ممارسات عنصرية أو سياسية في منافسات كرة القدم.