ھو حرف استفھام، نستفھم بھ عن الوقت والمیعاد، لما نواجھھ في حیاتنا الدنیا من أمور شتى، تشغل بالنا، ولا تدع لنا مجالا للتفكیر المتأني، ولأخذ الأنفاس برویَّة، مع وقع الحیاة العاجل، الذي یعج بالزحام والصخب، ویجلب على الناس بالمطالب والرغبات، التي ما منھا مناص، ولا حیاةَ للإنسان من دونھا، فتكون النتیجة أن تقع النفوس فریسة حائرة، تتعاورھا مخالب الوقت، وأنیاب المطالب،
لیشھدَ الإنسان صراع العیش، ومن بعض أسلحتھ أو حیلھ، بث التساؤلات، التي تلوذ بأداة (متى)، وتسوقھا الألسنة باحثة عن إجابات.
جاء في القرآن على لسان رسول من رسل الله، قولھ:(متى نصر الله)، وكذلك قال من آمن معھ، ولكل مؤمن في الحیاة قضیة یسأل خلال أحداثھا وأمواجھا وآلامھا: متى نصر الله؟ متى فرج الله؟ متى النور یطرد الظلمات؟ متى الفجر یشرق بالمسرات؟ متى ینجاب الغیم عن السماء؟ متى ینكشف الضر والسوء والبلاء؟ متى… متى… وآھاً من متى.
إنھا فورة نفس تلھب ظھرَھا سیاطُ الحاجات، فتبحث النفس لھا عن مخرج ینقذھا من متاعبھا، فتستنجد الوقتَ وتحثھ بالسؤال تلو السؤال، تتقدمھ أیدي (متى) تمتد بالأصوات، وما عند الوقت جواب یریح القلوب، ویشفي الأكباد.
أصدقني القول أیھا القارئ، ألیس متى كلمة یكثر ورودھا على لسانك؟ وینشغل بذكرھا عقلك؟ وأحیانا تستریح بذكرھا، ویرتوي ظمؤك، وأحیانا لا تستریح ولا تجد نفسك واقفاً على شاطئ أمان، بل تجد نفسك ضائقة ذرعاً بمتى، منزعجة منھا، جالبة القلق والصداع والحیرة، حتى لتودُّ النفسُ أن تحذفھا من لسان اللغة، أو تلقي بھا من جبل شاھق،ٍ أو تدسھا في باطن التراب.
لكن مھلا، مھلا، ما ذنب متى؟ وما شأنھا؟ وما ذنب الوقت أیضاً؟ الذي تسري ساعاتھ ودقائقھ وثوانیھ، في مسارب الحیاة، كما تسري الدماء في شرایین الإنسان، ولا یملك حتى إرجاع ثانیة، ولا إیقافھا.
أجل معلوم، یتحقق عنده، وحینئذٍ یعلنھ الوقت المرھون بالأجل المعلوم. إن الوقت رھین، لا یملك من أمره شیئا،ً وإنما الأمر بید مدبر المقادیر، یصرّفھ ویسیره بمشیئتھ إلى
صدق الشاعر الذي قال:
تُعجّلُ نفسي ما تشتھي فتخطئ تحقیقَ آرابھا
وإن الأمورَ لمرھونةٌ بأوقاتھا وبأسبابھا
إن ھذا القولَ حكمة،ٌ ینبغي أن تكونَ محفوظة، وتعیَھا القلوب.
قد أجاب الله سبحانھ عن سؤال رسولھ والمؤمنین:(متى نصر الله)، فقال: (ألا إن نصر الله قریب).