تُمثل زيارة السلطان هيثم بن طارق للمملكة ولقائه بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي العهد الأمير محمد محطة فارقة في علاقات البلدين الشقيقين، فهي أول زيارة للسلطان إلى خارج السلطنة منذ توليه المنصب في ١١ يناير ٢٠٢٠م، ما يؤكد على بدء مرحلة جديدة من التوجهات الإستراتيجية المدروسة لقيادتي البلدين العربيين.
جاءت الزيارة في وقت تشهد فيه المنطقة تحولات جذرية ومخاضات سياسية واقتصادية خطيرة ليس أقلها الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وأزمة سد النهضة بين مصر والسودان من جهة وإثيوبيا من جهة أخرى، والوضع المتفجر في العراق ونذر انهيار الكيان اللبناني، والخلافات بين الدول المصّدرة للنفط، ناهيك عن حرب العصابات الحوثية ضد الشرعية في اليمن والدعم الإيراني لهذه العصابات.
من الواضح أن هذه الزيارة لم تكن زيارة مجاملة، بل هي زيارة عمل جرى التخطيط والإعداد لها مسبقًا بدلالة البيان الصادر عنها والإتفاقيات التي وقعت خلالها، ومنها مجلس التنسيق المشترك.
مما لا شك فيه أن هذه الزيارة سوف تكون نقلة نوعية في العلاقات السعودية-العُمانية على مختلف الصُعد إذا ما جرى متابعة وتنفيذ الإتفياقيات الموقعة في تسعة مجالات، وهذا بالتأكيد ما سوف يحرص عليه المسؤولون في البلدين لتقديم نموذج للتعاون الثنائي بين بلدين عضويين في مجلس التعاون الخليجي الذي أصبح في حكم الميت بعدما أصبح الحبل على الغارب نظرًا لتباين المواقف والسياسات والأجنِدات الخّفية والعلنية.
أما الجانب المهم الآخر فهو الجانب السياسي الذي تطرق إلى المبادرة السعودية لإنهاء الأزمة السعودية، وكذلك البرنامج النووي الإيراني.
ومن المؤكد أن الدبلوماسية العُمانية تستطيع أن تلعب دورًا مؤثرًا في حل هذه الأزمة نظرًا لخبرتها السابقة في التعامل مع ثورة ظفار في ستينيات القرن الماضي، إضافة إلى قنواتها الدبلوماسية المفتوحة مع إيران، وقد تميزت القيادة العُمانية منذ أيام الراحل السلطان قابوس بن سعيد بالحنكة السياسية والحيادية والبعد عن الضوضاء الإعلامية وما ما نأمل أن تستثمره في الضغط على الحوثيين وداعميهم الإيرانيين من أجل إنهاء هذا التمرد الذي عاث فيه الحوثيون في اليمن قتلاً وخرابًا.
المبادرة التي أعلنت عنها المملكة في ٢٢ مارس ٢٠٢١م لإنهاء الأزمة اليمنية تتضمن وقف إطلاق نار شامل تحت مراقبة الأمم المتحدة، وفتح مطار صنعاء الدولي، وبدء المشاورات بين الأطراف اليمنية للتوصل إلى حل سياسي للأزمة اليمنية بناءً على مرجعيات قرار مجلس الأمن الدولي ٢٢١٦، والمبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني اليمني الشامل.
كان من شأن قبول الحوثيين لهذه المبادرة أن يحفظ لهم ماء الوجه وينقذهم من المأزق الذي ورطهم فيه النظام الإيراني، لكنهم رفضوه مراهنين على الدعم الإيراني لهم، لكنهم الآن في وضع لا يُحسدون عليه في ضوء الوضع الإيراني الصعب وانهزاماتهم في المعارك الأخيرة أمام الجيش اليمني والمقاومة الوطنية، لكن الفرصة لم تفت بعد ليقبل الحوثيون بهذه المبادرة التي طرحتها المملكة من موقف اقتدار.