عندما كنت أغضب كنت أسأل نفسي كثيرا لماذا أغضب؟ .. وعندما بحثت في هذا الموضوع وقرأت عنه الكثير، وجدت أن الغضب هو شعور طبيعي لدى الإنسان ويُعَرِّفَه علم النفس على أنه شكل من أشكال ردة الفعل تجاه أي تهديد يتعرض له الإنسان وهو استجابة طبيعية مشتركة بين الإنسان وجميع الكائنات لرد التهديدات والحفاظ على النفس، فيصبح الغضب هو الشعور السائد سلوكياً وذهنياً وفسيولوجياً عندما يأخذ الشخص الاختيار الواعي لاتخاذ إجراءات سريعة من شأنها وقف السلوك التهديدي من قوة أخرى خارجية.
وتظهر آثار الغضب الخارجية في تعبيرات الوجه ولغة الجسد والاستجابة الفسيولوجية وأحياناً في الأفعال العامة من الاعتداء وهو نمط سلوكي يهدف إلى تحذير المعتدين لوقف سلوكهم التهديدي.
وللغضب عدة أنواع وَضَّحَها بعض علماء النفس، لابد من معرفتها من أجل تحديد الطريقة الممكنة للتحكم في هذا الغضب والسيطرة عليه وسوف نُركز على عشرة أنواع من الغضب وهي الأكثر شيوعاً في هذا الزمان وهي:
* الغضب السلوكي:- وهو غضب عدواني يُشْعِر صاحبه بأن مشاعر الغضب أفقدته السيطرة على نفسه ودفعته للاعتداء على الآخرين إمَّا جسديا أو بإتلاف وتحطيم الأشياء وهو شائع بين الأشخاص أصحاب المشاكل النفسية والسلوكية وتستمر معهم لفترة طويلة وتؤثر على حياتهم وصحتهم بشكل سلبي لذلك فهم يحتاجون لعلاج نفسي.
* الغضب اللفظي:- وفيه يتم التعبير عن الغضب لفظياً كالصراخ أو السخرية أو التهديد أو اللوم الحاد أو النقد وهو أقل من الغضب السلوكي، وقد يكون من أشكال الإساءة العاطفية والنفسية المؤذية للآخرين وقد يشعر الغاضب لاحقاً بالندم والخجل ويبادر بالاعتذار لمن أخطأ عليهم.
* الغضب المُتقلِّب:- هو نوع شائع جداً وغالبا لدى الذكور الذين يعانون من مشاكل كالإدمان، بسبب سرعة الانفعال والغضب المفاجئ الذي يشعرهم بالقوة والراحة والرضا رغم خطورته على النفس والآخرين في فقدان السيطرة وقد يتعامل معه الآخرون بحذر خوفاً من استثارته والآثار السلبية اللاحقة له.
* الغضب الحازم:- ويتميز صاحبه بالهدوء والاستقامة والحزم والمرونة ولا يُوَجِّه الغاضب الإهانات ولا يستخدم العنف ويواجه الموقف بتحويل مشاعر الغضب إلى مُحَفِّز إيجابي له ويُعبِّر عن غضبه بطريقة صادقة ولَبِقَه لحماية حقوقه مع عدم إغفال حق الذات.
* الغضب المزمن:- هو شعور مُستمر بالاستياء من الجميع بسبب غضب الشخص من نفسه أو ظروفه وغالبا ما يكون بسبب تجربة سابقة مؤلمة يختفي خلفها لحماية نفسه من المعاناة وتقليل التوتر والقلق وإلقاء اللوم على الآخرين والظروف فيصبح شخص غير مُنفتح أو مُتفهم أو رحيم و يُطلق عليه البعض لقب “أعمى البصيرة”.
* الغضب القاهر:- يصعب التحكم في هذا النوع بسبب الشعور بالإحباط واليأس الناتجة عن مواقف أو ظروف خارجة عن السيطرة، مثل زيادة المسؤولية أو الشعور بالخوف الشديد أو عدم إمكانية تَحَمُّل الضغوطات الداخلية أو المطالب الخارجية والتَكيُّف معها.
* الغضب العدواني (أو السلبي):- وفيه يُعبِّرُ صاحبه عن غضبه بطريقة غير مباشرة وهي الانطواء والهروب من المواجهة وكبت مشاعر الغضب وقد يُعبر لفظياً بالسخرية أو الصمت الظاهر أو مماطلة في العمل دون وعي التي قد تُسبب له نتائج سلبية في حياته الشخصية والمهنية، وقد يكون انعكاساً لتجارب وعنف في الطفولة جمعت صفتي العدوانية والسلبية معاً.
* الغضب الانتقامي:- وهو أكثرها شيوعاً بسبب غريزة الانتقام الناتجة عن التعرض للتجريح والإساءة أو الأذى الذي يزيد التوتر والتصعيد لدى صاحبه ويسبب أضرار في العلاقات خاصة بين أفراد العائلة والمقربين عندما يتم تضخيم المشاكل وعدم التراجع واستمرار الغضب مع عدم السيطرة عليه فيصبح مُحَفِّزاً للانتقام.
* الغضب المسيء للذات:- وأساسه العَار الذي يُشْعِر صاحبه باليأس والإهانة وانعدام قيمة الذات فَيُعبِّر عنه بسلبية عن نفسه أو إيذائها أو الإدمان أو إضرابات في العادات كالأكل والنوم والتعامل مع الغير والانعزال وقد يكون سبباً لانتكاس صاحبه خاصة في حالة عدم المساعدة، وأفضل العلاج له هو التأمل ومناقشة المشكلة.
الغضب الحُكْمِي:- وهو الناتج عن سبب منطقي مثل الإحساس بالظلم تجاه الذات أو أخطاء الآخرين فيجعل صاحبه يُوجِّه النقد اللاذع والإهانة للغير دون إحساس بالذنب والتي قد تتطور لنوايا غير جيدة للآخرين ورغبة في السيطرة عليهم لتبرير الغضب ويعتقدون أنهم يدافعون عن الصواب.
وأختم بأقسام الغضب في الإسلام والتي قَسَّمَها الإسلام إلى قسمين لا ثالث لهما وهي الغضب المذموم والغضب المحمود، وبين أن الغضب المذموم هو الغضب السيء الذي يُخرج العقل والدين من سياستهما فلا يبقى للإنسان معه نظر ولا فكر ولا تدبُّر أو اختيار فيرتكب صاحبه الحماقات ويقع في المعاصي والذنوب، وأما النوع الثاني فهو الغضب المحمود الذي يكون خالصاً لله عز وجل عند انتهاك محارمه والغضب على أعدائه والغضب لرؤية ما يكره الله، والغضب عند العلم بِمَا يُغضِبُ الله، والغضب لحماية النفس من القتل والمال من السرقة والعَرْضْ من الانتهاك وغيرها مما هو محكوماً بالقرآن الكريم والأحكام الشرعية، ومن الهَدْي النبوي في إظهار الغضب المحمود البعد عن الكلام الفاحش والبذيء فالأخلاق الإسلامية تتنافى مع الكلام البذيء وتحُث على الكلام الطيّب في جميع الأحوال وخاصة عند الغضب، وبعد كل هذه الأنواع من الغضب التي قمنا بتفصيلها لابد أخي القارئ وأختي القارئة أنكم قد عرفتم جواب سؤال عنوان المقال وهو لماذا نغضب؟.