لا يوجد أحداً من البشر في هذه الدنيا لا يخطئ سواءً قولاً أو عملاً وقد أكد المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام هذه المقولة في الحديث الذي قال فيه ” كُلُّكُمْ خَطَّاءون، وخَيرُ الخَطَّائينَ التَّوابُون” (رواه الألباني بسند صحيح) والتوبة تعني الاعتراف والندم والإقلاع والعزم على عدم العودة لهذا الخطأ مرة أخرى، والأخطاء هي طبيعة بشرية خلقها الله في بني آدم كي يتعلموا من أخطائهم ولا يقوموا بتكرارها، لذلك كان من غير الطبيعي ألاَّ يتعلَّم الإنسان من أخطائه ويعتاد الوقوع فيها مرَّة أخرى.
ويجدر بنا هنا أن نوضح للقارئ الكريم الفرق بين “الخطأ” و “الفشل” كي لا يختلط الأمر على البعض لأن الخطأ عادة ما يكون ناتجاً عن إخفاق غير مُتعمَّد ويمكن التَعلُّم والاستفادة منه وإصلاحه، أما الفشل فهو نتيجة فعل خاطئ أو الإخفاق في الالتزام بتنفيذ الإجراءات المطلوبة للنتائج المستهدفة، ويمكن الاستفادة من الفشل ولكن غالبا لا يمكن إصلاحه.
صحيح أن هناك بعض الأخطاء التي يكون لها مردودات إيجابية جيدة كونها الأسلوب الذي نتعلم به من الأخطاء، وبعضها تكون له عواقب إيجابية غير متوقعه، وتُعَرفنا بشخصياتنا، وتُساعدنا في تحديد أولوياتنا وتحسين سلوكياتنا، ولكن الأفضل منها هي التي تُحرِّرَنا من بعض القيود والمخاوف وتجعلنا نستغل الفرص المتاحة المشروعة التي تُمكننا من تحقيق أهدافنا النبيلة، وقد يُعطي تكرار الأخطاء في الغالب مؤشراً على غياب العقل أو انعدام الإرادة عند الإنسان وقد يجعله شخصاً منبوذاً في المجتمع وعديم الفائدة ويفقد ثقته في ذاته ويخسر ثقة الآخرين فيه.
كيف يمكن للإنسان أن يتعلم من أخطائه ويحرص على عدم تكرارها؟ يتم بذلك بعدة خطوات من أهمها: –
- الاعتراف بالخطأ من أهم الخطوات التي تُساعد على عدم تكراره والحرص والإصرار على عدم الوقوع فيه مرة أخرى.
- تحمل مسؤولية الخطأ وما يترتب عليه من تراجع واعتذار للأشخاص الذين تم الخطأ في حقهم لأنه فضيلة.
- معرفة أسباب الخطأ وكيف تم الوقوع فيه وماهي نقاط الضعف التي أدت لهذا الخطأ والمؤثرات التي ساعدت في ذلك.
- التحكم في الغضب والسيطرة عليه وعدم التحدث أو اتخاذ إجراءات أو قرارات تحت تأثير نوبة الغضب الجامحة.
- الابتعاد عن أصدقاء السوء الذين لهم تأثيرات جانبية في الأخطاء وعدم الاستفادة منها واستمرار الفشل والسقوط.
- البعد عن السلبية والأشخاص السلبيين وأفكارهم واليقين بأن الإنسان قادر على تصحيح أخطائه وعدم تكراراها.
- الانطلاقة الجديدة التي لا علاقة لها بالأخطاء السابقة وملحقاتها، يدعمها التفاؤل والحرص والتوكل على الله.
- تحديد الأهداف بإتقان والتركيز في تحقيقها بدقة عالية مع الاستفادة من الأخطاء السابقة لعدم تكراراها مستقبلاً.
- الاستعداد التام لمواجهة أي صعوبات أو تحديات ووضع حلول وبدائل للمشاكل المتوقعة لتلافي الوقوع في الأخطاء.
- البعد عن كثرة التفكير والخوف من الوقوع في الأخطاء السابقة الذي يسبب إرهاق نفسي شديد والتركيز في التحسين والتطوير بالحلول العملية.
ورسالتي لكل من أخطأ أو تكررت منه بعض الأخطاء بأن لا تجعل هذه الأخطاء تُحبِطَك أو تزرع اليأس في نفسك، فإرادة المولى عز وجل أن يُعَمَّر الأرض خطاءون توابون ليتوب الله عليهم كما قال النبي عليه أفضل الصلاة والسلام ” وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ، فَيَغْفِرُ لهمْ” (صحيح مسلم) أي أن الله كما يُجازي المحسنين بإحسانهم فهو الغفور الرحيم الذي يغفر ويصفح عن المُذنبين التائبين وليس المذنبين المُنْهَمِكِينَ في ذنوبهم دون توبة.
يقول الدكتور غازي القصيبي “سوف ترتكبون العديد من الأخطاء، فلا تخجلوا من أخطائكم، وسوف يلتهم الفشل أمانيكم الغالية، فلا تنصرفوا من مطاردة الأماني إلى مطاردة الفشل”.