وكالات – العربي
اهتمام غير مسبوق تُبديه الصحافة الأوروبية، والفرنسية بشكل خاص بأبعاد وانعكاسات العلاقة المُتنامية بين الصين وروسيا وبدور كل منهما المُتصاعد في الشرق الأوسط، ومدى تأثير ذلك على الحضور الأوروبي والأمريكي.
صحيفة “لو موند” قالت من جهتها إنّ القدرة على التحوّل إلى قوة عالمية يتطلب بالضرورة المبادرة والفعل في الشرق الأوسط على الصعد العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية كذلك، وهو ما باتت تقوم به بكين وحليفتها موسكو، حيث أنّ نجاح التدخلات والوساطات بين دول المنطقة أساسي خاصة مع السعي لترجمة الاستثمارات الصينية في الشرق الأوسط خلال السنوات الماضية إلى تأثير سياسي عالمي.
ونبّهت اليومية الفرنسية إلى أنّ القادة الصينيين والروس قد رسّخوا أسس تعاونهم بآفاق غير محدودة، لكنّ روسيا وعلى إثر الحرب في أوكرانيا تبدو في أيدي حليفتها الصين أكثر من أي وقت مضى، حيث أنّ الرئيس بوتين ونتيجة لعقوبات الغرب على بلاده، كان متأكداً أنّ بإمكانه الاعتماد على صديقه شي جين بينغ الذي دعاه للمشاركة الخريف المقبل في الذكرى العاشرة لطرق الحرير الجديدة.
وفيما يتعلق بزيارة الرئيس الصيني الأخيرة إلى موسكو، حذّرت مجلة “لكسبرس” من أنّه سيكون من الخطأ تجاهل خطورة الاستراتيجية الصينية المتمثلة في السعي لإضعاف الغرب بالتعاون مع شركائها وخاصة روسيا. ورأت أنّ شي جين بينغ خلال لقاءه مع بوتين، إنما يعمل على مبدأَ أسلافه، وبشكل أساسي بمقولة الزعيم الصيني ماو تسي تونغ “يجب أن ندعم كل من يُحاربه عدونا، وأن نُحارب كل من يدعمه عدونا.”
وقالت المجلة الفرنسية إنّ الغالبية ظنّوا مع بداية حرب أوكرانيا أنّ الشراكة اللامحدودة التي سبق الإعلان عنها بين الصين وروسيا العام 2022 لن تصمد أمام هذا الصراع العسكري شرق أوروبا، لكنّ ما حدث هو العكس تماماً، حيث نمت التجارة بين الدولتين خاصة وأنّ بكين لم تقم بإدانة العدوان الروسي، بل إنّها أعادت ترديد رواية الكرملين بإلقاء اللوم على الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، فضلاً عن قيامها بتدريبات عسكرية مشتركة مع موسكو.
ورأت “لكسبرس” أنّ مواجهة عدو مشترك في نظر كل من الصين وروسيا، وهو الولايات المتحدة، أدّى إلى مزيد من التقارب بين الدولتين، وهو ما سوف يكون له تأثيرات كبيرة على السياسة الخارجية والنظام العالمي.
صحيفة “ليبيراسيون” تناولت من جهتها كذلك عُمق التقارب بين موسكو وبكين على خلفية الزيارة التي أجراها الرئيس الصيني إلى روسيا، ووصفتها بأنّها خطوة مهمة تمّ الإعلان من خلالها عن حزمة من الاتفاقيات المشتركة التي تؤسس لحقبة جديدة بين البلدين.
وفي تقرير آخر لها حول مسارح المواجهة الحالية بين الصين والولايات المتحدة، تحدّثت اليومية الفرنسية عن التقارب الإيراني- السعودي بفضل وساطة بكين، وسعي الرياض لتنويع شركائها دولياً من خلال الابتعاد عن الهيمنة الأميركية، وهو ما أثار خيبة أمل إدارة بايدن، خاصة مع السعي لإخراج روسيا وإيران من عزلتهما، وهو ما عزّز مكانة الصين كقوة استقرار في المنطقة.
كذلك فقد أشارت “ليبيراسيون” إلى قضية تايوان المركزية بالنسبة للحزب الشيوعي الصيني، حيث يعتزم الرئيس جين بينغ ضم الجزيرة كآخر قطعة أرض منفصلة عن بلاده.
أيضاً، وبالنسبة للولايات المتحدة، فإنّ اتفاقها مع كل من أستراليا وبريطانيا بهدف تصنيع جيل جديد من الغواصات لضمان السلام والاستقرار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ ونشر وجود بحري هناك، يُنظر إليه على أنّه بغرض مواجهة حضور وتأثير بكين المتمثل في مشروع طريق الحرير الضخم والتصدّي للنمو القوي للجيش الصيني.
كما وتشمل مسارح المواجهة الصينية الأميركية كذلك، وفق “ليبيراسيون”، أيضاً البلدان الأفريقية التي تُمثّل في نظر بكين مخزوناً مهماً من الأصوات الداعمة في المؤسسات الدولية، ومصادر ثمينة للموارد الطبيعية.
أخيراً، تعتبر صحيفة “ليزيكو” من جهتها أنّ روسيا نجحت في إعادة توجيه اقتصادها نحو الصين لكنّها برأيها مخاطرة قد تضعها مُستقبلاً في موقف من الضعف والتبعية، حيث حلّت الصين وبدرجة كبيرة مكان الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق باستيراد النفط الروسي، كما أنّ المُصنّعين الصينيين شغلوا الأماكن التي أخلتها شركة رينو الفرنسية وغيرها من الشركات والمصانع الغربية.
ووصفت اليومية الفرنسية زيارة الرئيس الصيني لروسيا، على أنّها مفيدة جداً في هذا التوقيت لموسكو كشكل من أشكال الحصانة الدبلوماسية لها، لكنّها تعتبر أنّ بكين سوف تكون الرابح الأكبر في العلاقة غير المتوازنة على نحو متزايد مع موسكو، على حدّ قول “ليزيكو”.