وكالات – العربي
على مر تاريخه الممتد على مدى أكثر من قرنيْن، لم يُقدم أي مجلس نواب أمريكي على عزل رئيسه، في خطوة تاريخية تعكس انقسامات الحزب الجمهوري في أكثر حقبه دقة وحساسية.
انتصر الجناح المتشدّد في الحزب وكسب الرهان على عزل كيفن مكارثي، وإعلان المنصب التشريعي الأعلى شاغراً، مستفيداً من تصويت 216 نائباً على المذكرة التي من شأنها قلب الأوضاع على الرئيس جو بايدن وحزبه رأساً على عقب. لم يكن ذنب مكارثي أكثر من تعاونه مع الديمقراطيين في تجنّب الإغلاق الحكومي عبر تمرير اتفاق الموازنة.
ولعل في إضعاف نفوذ من يسمون المعتدلين داخل أورقة الحزب الجمهوري والذين يمثلهم المعزول مكارثي، تقوية لشوكة الرئيس السابق دونالد ترامب، وتعزيز حظوظه في انتزاع ورقة الرشيح عن الحزب والتي أصبحت مسألة وقت ليس إلا، بل واكتساح منافسه الديمقراطي في انتخابات العام المقبل، حال تمكّن المليادير التخلّص من ملاحقات القضاء وهو الأرجح.
ولم يفوّت ترامب الفرصة النادرة بتغريدة عبر منصته «تروث سوشل» تقول: «لماذا يقضي الجمهوريون وقتهم في الجدال في ما بينهم؟ لماذا لا يقاتلون الديموقراطيين اليساريين المتطرّفين الذين يدمرون بلادنا؟».
يظهر عزل مكارثي إجماعاً جمهورياً على إعلان قطيعة مع الديمقراطيين، وانتصاراً ساحقاً للتيّار المتشدّد في الحزب بقيادة النائب عن فلوريدا، مات غايتس، الذي طالما اشتكى من عدم احترام مكارثي الاتفاقات المبرمة مع التيّار المحافظ والتي قطعها الأخير على نفسه أوان ترشّحه لشغل المنصب.
ولعل اللافت أن عدو مكارثي والمصوّت على عزله، لم يكن الجناح المتشدّد في حزبه فقط، بل تيار ديمقراطي يتهمه بالتراجع عن اتفاقات أبرمها إدارة بايدن، لاسيما بشأن الإنفاق في الميزانية الفيدرالية، ما دفع هؤلاء النواب لنعته بـ «غير الجدير بالثقة».
كما في الداخل يبدو أنّ الزلزال النيابي الأمريكي، أزعج أطرافاً في الخارج مثلما أفرح أخرى، ففيما سينزل عزل مكارثي برداً وسلاماً على الروس باعتباره أولى بشريات التضييق على الدعم الأمريكي لأوكرانيا إنْ لم يكن وقفه، تضع كييف يدها على قلبها من المستقبل غير المُسر والذي من شأنه التأثير على هجومها المضاد ضد الروس وإضعاف موقفها في الميدان المشتعل.
ويبقى التسريع في انتخاب رئيس جديد لمجلس النواب، الشغل الشاغل، وهو ما عبر عنه الرئيس الأمريكي، جو بايدن، مذكّراً بأنّ التحديات الملحة التي تواجه أمريكا لا تنتظر، فيما تبقى مهمة الجمهوريين معقدة للحد البعيد في التوافق على «بديل مكارثي» في ظل الانقسامات التي تضرب الحزب، وهامش زمني ضيّق لا يتعدى الأيام المعدودة لإنجاز المهمة.