Site icon صحيفة العربي الإلكترونية

“شروق مريم” : حلم يرّتق أجنحة امرأة تنهض بقدر مُغاير

زهراء غريب-العربي

بأجنحةٍ يرتّقها الحُلم يخرج صوتها من القفص؛ ليضمّد نبضها المكبل اضطهادا  خلف أسوار العتمة. وبــ”مكينة خياطة” تبني قدرًا آخر  من ضوء، فتهجر انكساراتها نحو حيواتٍ أجمل؛ لأنها امرأة جديرة بالاشراق وعصية على الأفول.

وفي مسرحية “شروق مريم” لمسرح جلجامش من مملكة البحرين، وللمخرجة البحرينية كلثوم أمين والكاتب السعودي فهد ردة الحارثي، يتجلى إشراقها  في طريق مستقل نحتت مجده بإرادة لا تلين، رغم الأوجاع التي عايشتها في بيئة اجتماعية كبلتها بالعادات والتقاليد، وحاصرتها باستبداد والدٍ قاسٍ وإهمال زوج لم يمنحها الأمان. غير أنها تحررت من هذا الارتباط، رافضة الخضوع لسطوة القيود. وبعد فقدان والديها، وجدت في ماكينة خياطة متواضعة وسيلة نحو الاستقلال ونسج حياة أخرى.

من جانبها، أوضحت مخرجة العمل، كلثوم أمين، أن نص المسرحية المونودرامية يتناول قصة امرأة تحمل اسمًا ذو دلالة رمزية، ويجسد صراعها مع واقع اجتماع تفرض عليه العادات والتقاليد سطوتها. مشيرة إلى أن الكاتب ترك النص مفتوحاً ومرناً بما يتيح تقديمه بأساليب إخراجية مختلفة، الأمر الذي شجّعها-بعد أخذ إذنه-على إعداده ووضع أحداثه في زمن محدد هو أربعينيات القرن الماضي، بشكل يُظهر  معاناة المرأة  آنذاك  تحت وطأة استبداد الأب وإهمال الزوج وهيمنة الأعراف على المجتمعات الخليجية، مما يمنح العمل عمقًا اجتماعيًا يعيد قراءة الماضي بوعي معاصر.

وعن التكوين السينوغرافي  للعرض، الذي منح الخشبة دفئاً جمالياً بنبض خليجي ساحر، قالت كلثوم:” ديكور العمل مثّل البيت البحريني في حقبة الأربعينات، بما احتواه من الدوشك والمساند المطرزة والصندوق المبيت ونوعية الأقمشة من ورد الحجاز إلى ثياب النشل والكورار  والدراعة،  فضلاً عن المجوهرات التقليدية التي تزينت بها العروس”.

وأفادت المخرجة كلثوم أنها التزمت بالنص الأصلي للكاتب مع توظيف أساليب فنية تعزز البعد التراثي للعمل المسرحي”حيث أدخلت مشاهد تقديم الموال بالصوت الحي للممثلة، وهو مقطع من قصيدة للشاعر العراقي علي الجبر، تتحدث عن فقدان الحبيب والزفاف، ورقص السامري على أنغام أغنية “جزا البارحة” للشاعر الكويتي فهد البورسلي، وغناء عضوة مسرح جلجامش الفنانة سارة الشايجي”.

وأضافت: “أدخلنا إلى العمل تهويدة للطفل توارثناها بانتقالها إلينا من الحضارة السومرية، كانت تغنيها زوجة ملك أور لابنها المريض قبل 5000 تقريباً، وانتقلت بفعل التبادل التجاري والعادات إلى دلمون (أي البحرين حالياً)، وتوارثتها الجدات والأمهات، وما زالت التهويدة تُغنى للطفل حتى ينام”.

وأشادت بأداء الممثلة بروين، مبيّنة أنّ اختيارها لم يكن مصادفة، بل استند إلى ما تمتلكه من صفات عمرية وتكوينية تجسّد صورة امرأة في منتصف العمر بكل ما تحمله من ملامح وتجارب. موضحة : ” أنها  اعتمدت في تدريبها  على تقنية ميخائيل تشيخوف، متنقّلة بالممثلة عبر فضاءات التحوّلات التي تعيشها الشخصية في مسارها الدرامي. وقد أثمرت هذه الرحلة الإبداعية عن أداء متقن قدّمته بروين بمهارة مميزة، عكست من خلاله العمق الإنساني للشخصية وصدق مشاعرها”.

مسرحية “شروق مريم”  التي نالت الدبلوما الفخرية بعد مشاركتها في مهرجان البيت البلطيقي للمسرح العالمي بمدينة سانت بطرسبرغ في روسيا خلال أكتوبر 2025، شكّلت تجربة جديدة للجمهور الروسي الذي تعرّف لأول مرة على عرض مسرحي يستعرض التراث الخليجي بأزيائه وموسيقاه ورقصاته الشعبية“ حيث أن القاعة كانت مكتملة الحضور، بعد بيع جميع التذاكر قبل موعد عرضها بشهرين. وقد عبّر الجمهور عن إعجابه بالعرض الذي رافقته ترجمة فورية،  من خلال موجات تصفيق متواصلة رافقت فريق العمل حتى نهاية الأمسية“.

يذكر أن مسرحية “شروق مريم” هي من إنتاج مسرح جلجامش، إعداد وإخراج كلثوم أمين، وتأليف الكاتب السعودي فهد ردة الحارثي، وتمثيل بروين أمان الله. وإشراف عام عبد الله فقيهي، موسيقى سالم الجارح ، إضاءة عبدالله البكري، غناء سارة الشايجي، وإشراف فني علي الرميحي.

المصدر : صحيفة اليمامة الجديدة

Exit mobile version