تفرّدتْ بودقها وحلّتْ على الوجود
مُنية تستحضر الغيومُ روحَها
وخلفُها توارى للضياءِ ملمحٌ
كأنه المساءُ باسطاً على الكون الرداء
بين سلوان الطقوس
قد شدا من نبضه
تغريدة الربيع والمطر
ولاحت السحب بغيثها الرحيم
مثل حبات الجمان روعة الروان تعتلي
وسامةَ الأريج نَدرةً
فيهطل الرقراق بالإشراق
فوق وجنة الريحان والصفا
على جدائل الصفصاف والشجر
قد حطّت الحمائم الوسيمة المُحيا
سربَها برقةٍ ووجها البرئ يغتسل
بنشوة السَمّارِ والأمصار والديمْ
قد عانق الوَسْميُّ في الملكوت
وارتمى بين أحضان الحمى
مستشعراً دفئه والأمان ضمّه .. كأنه
طفلٌ تثاءب دعَّةً مسترخياً بين تحنان
الأمومة ثم غالبه النُعاس رحمةً
براءة الملاك قد تملّكت
من روحه الوديع والسّيمْ
من شرفتي التي
تطالع العُلا تناجي الملأ وريّهِ السقي
في حياض أرضه
شقائق النعمان
ترتوي وثغرها البهي مُبتسمْ
يجلجل الصهيل بالفلا من نفرةِ الجياد
بينما الغياثُ
قد أناخ عِيرَهُ بالزاد والزواد
مُنشدا على عتبات الديار أوقدوا الأنوار
فالخير هلْ .. لاقيه وانهض له
أيها الخل الوفي واخلع العباءة الملساء
مُشمِّراً عن ساعديك وانفض الكسل
ثم قِف في شممٍ في إباءِ هامك الوطيد
تحت زخّات المطر
وانشد الترنيمة الندية
في باح الفضا ثم أطلق النِدا
كناريّ الصدى
بالواحة الزهراء في رحابها
خمائلٌ ورديةُ الألوان
في سموها السوي
مثل روضة العروس
من حولها تلهو الطفولة
في مجرى العُباب حيث جائزة السماء
حيث ديمة البهاء
طُهرةً تنزّلتْ
على سنابل العطاء الموسمي
والعنادل التي قد غردت
في كل وادٍ بهجةً عاش الأمل
واستفاض روعها بحُلمها الوليد
حولها عرائس الشموس
عند آفاق الرُبى كالفراشات التي
قد ورّدت وجناتها من زهرها
يفوح الأُقحُوان
حظوةً بوجه إكليل الحبور ترتسمْ
تلاقت الأحداق
في الشروق وهجةً وفي أصائل الغروب
حملقت في سالف النهار
يعلو أهداب عينها
للشوق نظرات انبهارٍ ترمق الطيور
والزهور والضياء والضباب والبحار
والثلوج في وديانها
والعروج نحو حافة الجبل
كي ترى في سربها
المكدود قدسية العمل
والعشب ينمو فوق جلمود الصخور طفرةً
والكائن البشري كالمسحور
قمةُ الإعجاب تزدهي
من وجهه الخلاب
والخبا في خلقه البديع تالد العِظمْ
الليل في عليائه يحدوه السكون
ترنماً من عرين الكائنات
من غصن النبات
من هالة القمر
التي يدور عرشها السيّار
حولها النجوم سابحاتٍ
بين موكبها المهيب
عندما تألّق البريق
كي يكون للطريق في الدجى
نبراسه العريق وابتدا
شعاعه الفضيُّ
يُسبي العيون قرةً من سحره النوار
يأخذ القلوب آسراً
لكل كائن نضارةٌ على حِدَا
كأنه فجرٌ التَقى في روْعِهِ الهُدى
ليبعث الحياة
من رحم الحياة من قلب العتمْ
في الوجود يولد المولود
كل يوم من جديد
زهرة الريعانِ في أمانيِّ الصبا من جديد
فوق القامة الشمّاءِ في رُباها والقمم
سحبٌ تطوفُ
أمطرت على الأصقاع ترياق الرُواء
بينما تزداد رقعة الحبور التي
بين الضواحي
رفرفت لتلمع الأحداق في العيون
ويسْترقُ النسيم الصبُّ قُبلةَ الجوى
من ثغرها الذي
حوا قطر الندى عند اللقاء
فتستجم عنده الخلائق تستنشق الهواء
ويرتوي الظمآن
سلسبيل ماءِها
من نظرة الولهان
من لحنه الشجي للنوارس التي
ترنّمت على إطلالةٍ زرقاء
تحفّها روائعٌ لبحرها الرحيب
وموجةٌ من خلف موجةٍ
من سالف الدهور
وثبةٌ تعانق الشطآن
وها هو البستان على البحر يطل
إن لم يصبه وابل الإنبات
يكتفي بِطَل
لتربةٍ على حمل الأطايب صالحة
وتبعث الجذوع من فروعها
تمد للورى ظلالها
بالروضة الغناء طارحة
مختالةً برقصة الأشجار
حينما تميل لليمين
وتستقيم كي تميل لليسار
كأنه الشجار
في ساح الرياح في صراعٍ سرمديٍ
في اضطرابٍ منذ آماد القِدمْ
سيول من بعدها سيول
أبهجتني عندما يطول
من عين نبعها توارد الهطول
تمام غبطتي بوابل المطر
قد زفَّ مُنيتي في عالمٍ أغر
مشاعر الوجدان حالةٌ تَحِلُّ روحها
من جُلِّ نبضها تبوح بالمصدر
والباعث الوحيد لتفرّد المعنى
مباهجُ السماء في قلبها تسعنا
قد عانقتني في رؤى براحها
وضمتني لها كي تمسح الأحزان
من عين غيمها
بدمع عينها الذي سال وانحدر
عندما أسير
على رصيف البحر يأخذني أسيراً
للرياح الموسمية
الدافعة بمواكب السحاب
للرذاذ الآتي من تدافع الأمواج
من زأرة المهتاج المحتدمْ
وأنا أجوب في شوارع المدينة القديمة
تشجيني للأمطار حالة
حينما تتوالى قطرة فقطرة
على هام الطبيعة باستطالة
لتغسل الوجوه والوجوم
وتُسكن الغضب
فيُطربني صوتها المدوي
صادحاً بعزفٍ منهمر
من خلف شرفة الزجاج
قد وقفت قبلها مراقباً ومنتظر
ريثما يعانق البكور
والغصون والعصفور
الذي من نبعه شرِب
بالرحمة العليا
قد أسبغ الأحياء والأشياء بالكرمْ
وتلتقي الربوع وجهَها النضير
فوق أوراقٍ تَضَوّعَ الجنى عبيرَها
من نهرها العذب الثريُّ
قد سَقَتْ روافدٌ نخيلها الأبيُّ
عالي القامة والقوام
هامُهُ في رفعة الشموخ
طلعه هضيم
يانعٌ نضيجٌ
بازدهارِ واحمرار وجنتاه
بينما سيرحل الخريف
كي يحل في الورى مداه
ليبعث النماء
من ثمارٍ باسقاتٍ مزهراتٍ
للدُنا قد سرّجت أشعة السنا
من راحِها
يسود مدُّهَا النضيد بالسكينة
التي تحفّها البراءة في امتثالٍ في وداعة
مثل لوحة تحدّها
الأرض والسماء
والجبال والجمال
والكائنات بين أرجاء البرايا النيّرة
راحت لترعي بالفيافي المبهرة
ويستزيد خيرُها من نبعها
العميق فضلها يفيض في الدروب
ويمنحنا النسيم العنبري نفحتا
أريجه الفواح بين غيداء وطيب
من وحي نفحة الجمال
كل سقْمٍ كل داءٍ مُعضلٍ يطيب
في تلاحم الخلوق بالأخلاق والشّيمْ
قبل وصلة التغريد والحداء
تحيةَ الشهود والبيداء
لوابل الودْق الروي
صنوها القلوب
والأرواح عبّرت عن حبها
ممتنّةً في حضرة المطر الجليل
كأن بالعيون فرحةٌ تصبُّ دمعها
على وجنة الخدور رِيُّها
لباقة الورود دُرّها
ليستحيل طلها النديُّ ساقيأ رغيد
في كبد السماء
قد تجلّي للعيان
ومضُ برقها
القوي شارةً علويةً تضئ
كي تشير باقتراب لحظة المطير
والرعد في وفاقٍ في ارتفاقِ
صوته الجهور قد غدا مسبحاً
بحمد خالق الحياة
بكرةً وتارة أخرى عشيا
شاكراً لمانح الوجود
ما حباه للوجود جلَّ في عُلاه
مُنْزِلُ المطر
الغيث والغياث والمُغيث للبشر
بخيرِه بفيضهِ بالجودِ والنِعمْ
zidaneramadan@gmail.com