وكالات – العربي
تعرضت شبه جزيرة القرم إلى قصف جديد، اليوم الإثنين، استهدف جسراً حيوياً يربط البر الرئيسي لروسيا، وأدى إلى وقوع قتلى وجرحى جراء الحادث.
وتضاربت الأنباء حول المسؤولين عن الهجوم، حيث اعتبرت أوكرانيا أنه عمل استفزازي متعمد من روسيا، في حين أعلنت موسكو أن الهجوم عمل إرهابي أوكراني.
وتطرقت صحيفة “الغارديان” البريطانية، إلى جماعة “أتش الفدائية” التي يقودها تتار القرم، وتنشط بشكل سري خلف الخطوط الروسية، مشيرة إلى أن قادة الحركة أبدوا استعدادهم للقتال ضد روسيا، حال حصولهم على الأسلحة.
حركة سرية
وقال زعيم محلي مخضرم للصحيفة إن “الحركة السرية التي يقودها تتار القرم نشطة بالفعل خلف الخطوط الروسية، وإن المئات من شباب التتار مستعدون لحمل السلاح لتحرير شبه الجزيرة الأوكرانية المحتلة”.
وأشار مصطفى دزيميليف، الذي ينظر إليه على نطاق واسع على أنه الأب الروحي لحركة حقوق تتار القرم، إلى العمليات التي قامت بها جماعة “أتش” الفدائية، التي تضم تتار القرم والأوكرانيين والروس في شبه جزيرة القرم، ومناطق أوكرانية محتلة أخرى.
وتم إنشاء أتش، التي تعني “النار” في تتار القرم، في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي للقيام بأعمال تخريبية من داخل صفوف الجيش الروسي. وتزعم الحركة أن أكثر من 4 آلاف جندي روسي قد التحقوا بالفعل في دورة تدريبية عبر الإنترنت، حول كيفية “النجاة من الحرب” من خلال تدمير معداتهم الخاصة.
كما تزعم الجماعة أنها فجرت نقاط تفتيش روسية، واغتالت ضباطاً روساً، وأضرمت النار في ثكنات وقدمت معلومات حساسة للمخابرات الأوكرانية، ومؤخراً كشفت أن خبراء المتفجرات الروس زرعوا ألغاماً في مصنع “Krymskyi Titan” الكيميائي، شمال شبه جزيرة القرم.
مقاومة الاحتلال الروسي
بدوره، قال دزيميليف (79 عاماً)، للصحيفة في مقابلة في كييف: “إن أتش عميقة جداً تحت الأرض، لم يقع هناك أي اعتقال بين أعضاء أتش، لكنهم يعملون داخل أراضي القرم في تفجير الأهداف”.
وأضاف أن جالية تتار القرم البالغ قوامها 300 ألف شخص، كانت محور مقاومة الاحتلال الروسي منذ 2014، عندما ضمت موسكو شبه جزيرة القرم.
وتتار القرم، هم السكان الأصليون الناطقون باللغة التركية في شبه جزيرة القرم، تبنوا الإسلام، وانفصلوا عن خانية القرم القوية في القرن الـ 15، وبعد الضم الروسي عام 1783، بدأت عملية الاضطهاد والطرد في ظل الحكم الإمبراطوري، واستمرت في ظل الاتحاد السوفيتي.
تاريخ من الاضطهاد
في عام 1944، قام الزعيم الروسي الراحل ستالين بترحيل جميع سكان تتار القرم، معظمهم إلى أوزبكستان بما في ذلك عائلة دزيميليف عندما كان عمره 6 أشهر، وكناشط في مجال حقوق الإنسان، أمضى سنوات تحت المراقبة في مستعمرات عقابية، ورغم أنه لم يعد رئيس مجلس تتار القرم، لكنه ظل عضواً في البرلمان والشيخ البارز للمجتمع.
وفي 12 مارس (آذار) 2014، بعد أسبوعين من استيلاء الجنود الروس الذين لا يرتدون أي شارة على نقاط استراتيجية في شبه جزيرة القرم، وقبل 4 أيام من إجراء “استفتاء” في شبه الجزيرة لتأييد “استقلالها”، تحدث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى دزيميليف عبر الهاتف.
وقال دزيميليف أثناء تذكره للمحادثة التي استمرت 45 دقيقة مع الرئيس الروسي: “أخبرني أنه رأى تتار القرم على أنهم دعاة سلام، وأنه يأمل ألا يكون هناك عنف، قلت له انتظر لحظة، لا يوجد عنف عندما تدافع عن حقوقك المدنية في بلدك. ولكن عندما يخطو حذاء العدو على أرضك، فهذه مسألة مختلفة تماماً”.
استعداد للثأر
وأوضح دزيميليف أن تتار القرم يتحملون وطأة الاحتلال الروسي، ورغم أنهم يشكلون 13% من سكان شبه الجزيرة، إلا أن 85% منهم تعرضوا للاعتقالات السياسية وعمليات التفتيش غير القانونية.
كما تعرض نشطاء تتار القرم للاختطاف والاختفاء القسري، وقال دزيميليف إن “49 ناشطاً في عداد المفقودين، وعثر على 8 فقط من جثثهم حتى الآن، فيما تم سجن زعماء سياسيين وعشرات النشطاء”.
وعلى الرغم من مستوى السيطرة والاضطهاد، أكد دزيميليف أنه إذا شعر تتار القرم أن التحرير قريب، فإن صفوف الثوار ستنمو بشكل كبير، وتابع “في الوقت الحالي، هناك حوالي ألف شاب على استعداد لحمل السلاح بمجرد وصول الجيش الأوكراني، إذا تمكنوا من الحصول على الأسلحة”.
قوى خارجية
ووفقاً للغارديان، حذر رئيس المجلس الحالي للمجلس رفعت تشوباروف، من القوى الخارجية التي تسعى للتفاوض بشأن مستقبل شبه جزيرة القرم، دون مشاركة السكان الأصليين فيها.
وأوضح تشوباروف أن “هناك الآلاف من تتار القرم على استعداد لمحاربة أي محاولة لمغادرة وطنهم تحت الاحتلال الروسي”.
ضغط إضافي
وذكرت الصحيفة أن الدور العسكري لتتار القرم كقوة حزبية ذات دوافع عالية، سيكون وسيلة لوضع موسكو تحت ضغط إضافي دون إثارة قلق الحلفاء، كما هو الحال مع المتطوعين الروس، الذين يقاتلون بدعم أوكراني على الأراضي الروسية.
وقال مستشار الرئاسة الأوكراني ميخايلو بودولاك: “إن تتار القرم لهم أهمية قصوى في التحرير المستقبلي لشبه جزيرة القرم، من وجهة نظر أيديولوجية وسياسية وغيرها”. وأضاف “يخدم تتار القرم في القوات المسلحة لأوكرانيا، ويقومون بدور نشط في العمليات الحزبية في شبه جزيرة القرم. هناك شبكة واسعة جداً داخل شبه جزيرة القرم في الوقت الحالي، وهذا أمر مفيد للغاية. هناك حوادث معينة تحدث هناك وهي دليل على ذلك.”
وفي حال تحرير شبه الجزيرة من الاحتلال الروسي، سيسعى تتار القرم إلى اعتراف أكبر، بما في ذلك تغيير دستوري من شأنه أن يجعل شبه الجزيرة “جمهورية وطنية” يكون لهم فيها، بوصفهم السكان الأصليين، وضع خاص.
ولكن حكومة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، لم تقدم أي ضمانات محددة، وقالت تاميلا تاشيفا، ناشطة تتار القرم وتشغل حالياً منصب الممثل الدائم للرئيس في شبه الجزيرة: “في زمن الحرب، يحظر تغيير الدستور”، وأضافت “هناك الكثير من الحديث عن وضع شبه جزيرة القرم بعد التحرير، لكن في الوقت الحالي لا يوجد قرار نهائي. هذا السؤال معلق”.