وخير جليس في الزمان كتاب، القول الماثور الذي يرفع من مقام الكتب التي كانت ولازالت افضل وسيلة لنقل العلم و المعرفة بين الاجيال، كما يفتخر اي انسان بان يكون لديه كتاب من تاليفه يضع فيه خلاصة المعرفة و العلم ليقرأها اخرون او الطالبون للعلم من بعده، فيستكشفون خلاصة افكاره ومعارفه و رؤيته حتى بعد رحيل المؤلف عن الدينا. لكن تاليف الكتب هذا العمل المحترم الراقي صار مؤخرا عمل تجاري يستخدم للغش والتلاعب امام المجتمع و المؤسسات العلمية و الاكاديمية، ففي زمن انتشار المعلومات وسهولة “القص و اللصق” و انعدام المراجعة و الضوابط و الرقابة على المحتوى “من اين لك هذه المعلومة وماهو مصدرك” صار تاليف الكتب عمل متاح للجميع فمثلما وفرت السوشل ميديا مساحات للمحتوى “غير اللائق وغير المفيد” توفر المعلومات جعل كل من هب ودب “مؤلف كتب”. من خلال تجربتي الخاصة والتي اقتصرت على قراءة ٣٠٠ كتاب منها ١٠٠ كتاب عن الاعلام حصرا و تجوالي في المكتبات العامة ومشاهدتي لمكاتب تجارية تعلن عن “كتابة الرسائل و للبحوث الأكاديمية” استطعت ان استنتج النقاط التالية والتي اخصها عن الكتب الاعلامية.
اولا: اكثر المؤلفين العرب ياخذون مصادر معلوماتهم من مراجع معدودة غير محدثة تم اصدارها قبل عشرات السنوات، تتم عملية اعادة صياغتها واستخدامها في عدد كبير من المؤلفات و جميعها تعود لنفس المصدر و الموضوع ولا جديد فيه.
ثانيا: اكثر مواضيع الكتب الاعلامية تدور في نفس الدائرة، تعاريف ، عدد نقاط ، شروحات ، نظريات وهكذا دون التطرق الى اساليب و مواضيع مواكبة لحداثة الإعلام و قضاياه المعاصرة .
ثالثا: كثير من كلمات الحشو مثل شروحات جانبية لا تضيف للنص العلمي شيء او استخدام كبير لكلمات وصل الجمل، و الهدف من هذا زيادة عدد صفحات الكتاب لا اكثر.
رابعا: سباق تاليف الكتب بين المختصين و الداخلين على مهنة الاعلام، فبعض المختصين بالاعلام يؤلفون الكثير من الكتب ليس للاضافة العلمية بقدر ماهو ( دخل مادي ) اضافي فقط، مع ذكر عدد المؤلفات في السيرة الذاتية ” ولكن عند قراءة هذه الكتب و تحليلها بدقة يظهر التكرار و النسخ و الجمع العشوائي من كتب اخرى” اما غير المختصين بالاعلام فتاليف الكتب هو وسيلة لاثبات الوجود في عالم الاعلام و استغلال الشهرة و الظهور الاعلامي في تسويق الكتاب “للدخل المادي ايضا” و عند قراءة كتب غير المختصين تكون اسوء حالا من كتب المختصين في الاعلام الذين نسخوا من مراجع علمية او مصادر اخرى، فكتب غير المختصين حشوا و كلام لا فائدة ومعنى له.
خامسا: عدم وجود اضافة علمية ، فالكتب تؤلف لتكون اضافة علمية مؤثرة بالقارئ وان تكون لها سمعة علمية كبيرة في المجتمع ليعود لها دوما لاخذ العلم و المعرفة، وعلى سبيل المثال ” كتب الدكتور علي الوردي التي كانت ولازالت افضل المراجع عن علم الاجتماع الذي يركز على المجتمع العراقي” وغير رغم مرور عقود على تأليفها ، بالمقابل الكتب الموجودة حاليا كثير منها لا يحوي على اي اضافة علمية او ان اضافته العلمية متواضعة لكنها محاطة بكثير من الحشو و النصوص الزائدة والهدف منها زيادة عدد الصفحات.
سادسا: الكتاب المناسب للقراءة، حاليا الشباب يتجه إلى إيجاد المعلومة على الإنترنت أو باستخدام الذكاء الاصطناعي الذي يوفر الوقت والجهد في الوصول إلى أي معلومة لذلك لم تعد الكتب المصدر الوحيد للعلم، بل لم تعد القراءة هواية او حاجة علمية للشباب الحالي لذلك ابتعد الكثيرون عن القراءة الورقية وصارت الهواتف مصدر للقراءة وباسلوب جديد مبني على ” الاختصار الشديد كالاخبار العاجلة و عدد احرف مساو لتغريدة على منصة اكس”، بالتالي من يريد ان يسوق كتاب يفضل ان يكون “مختصر ، مباشر ، كلمات كبيرة طباعيا ، عدد صفحات قليل مايقرب ١٠٠ اقل او اكثر ” لكي يسوق الكتاب ويكون مرغوب لدى جيل لم تعد القراءة هوايته المفضلة،.
الخلاصة: ان ماذكرته لايطبق على جميع الكتب المؤلفة حاليا لان بعضها يستحق ان يوصف بكلمة “كتاب” بحق نظرا لتوافر المعلومة الجديدة و اسلوب الكتابة الجاذب و غيرها من عوامل تجذب الباحثين عن العلم و المعرفة، لكن تبقى الكفة لاصحاب الغش و التلاعب الذين يصدرون عشرات الكتب سنويا والتي تعتبر مضرة على القارئ و على البيئة نظرا لاستهلاكها الورق دون علم مفيد.