يظن البعض منا أن التراث ليست له أهمية إطلاقاً فهو عبارة عن قصص وروايات تواترت عليها الأيام وعفى عليها الدهر ولا داعي أن ننفض عنه غبار السنين حتى لا نصاب باختناق من جراء تطاير الغبار في حلوقنا.
ولكن الحقيقة المؤكدة لدي ولعل هناك من يشاطرني أن التراث عظيم وفيه من الفوائد الكثيرة والقصص المثيرة والمحفزات العظيمة لينهض ابن اليوم ويحمل راية آباءه عالية خفاقة ويحميها من كل اعتداء مهما كان نوعه أو هدفه ومهما يكن المعتدي.
ومما آسفني أن بعض العارفين جعل التراث مجالاً للتراشق والمهاترات بينه و بين أفرادٍ آخرين، وهذا لا يجوز فمن يرغب بحفظ نفسه وأهله لا يجوز له أن يعطي للآخرين مجالاً أن يسخروا منهم أو يشتموهم، ولنا في التوجيه الرباني خير مثال لذلك إذ يقول الحق تبارك وتعالى: (وَلَا تَسُبُّوا۟ ٱلَّذِینَ یَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَیَسُبُّوا۟ ٱللَّهَ عَدۡوَۢا بِغَیۡرِ عِلۡمࣲۗ كَذَ ٰلِكَ زَیَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمۡ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِم مَّرۡجِعُهُمۡ فَیُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ) [سورة الأنعام- الآية 108]. وهذا أعظم توجيه لنا جميعاً لعدم الدخول في مهاترات لا فائدة منها.
إن العلاقة بين القانون والتراث علاقة قديمة ضاربة بجذورها في عمق التاريخ يفوح عبقها كلبان ظفاري في مشارق الأرض ومغاربها فالقانون يستمد بعض قواعده من التراث فهو الذي يحدد القواعد القانونية الواجب على المشرع مراعاتها عند وضع القوانين ومن ذلك ما نص عليه المشرع في النظام الأساسي للدولة أن سلطنة عمان دولة عربية إسلامية كما أن تحديد نظام الحكم بأنه نظام سلطاني إنما استمد من تاريخ عُمان العظيم، وهكذا فعل المشرع في معظم القوانين حيث جاء فيها ما يؤكد اهتمام المشرع بالتراث العماني سواء من حيث تجريم الاعتداء على التراث او من حيث ما استمده المشرع من قواعد لها أصلها الثابت في الشريعة الإسلامية والعادات والتقاليد العمانية، ومن ذلك ما نص عليه من ضرورة مراعاة النظام العام والآداب والذوق العام وإلزام ارتداء اللباس العُماني على الموظفين والمراجعين من العُمانيين للدوائر الحكومية، بل أن المشرع لم يجرم لبس الخنجر والمحازم والسيوف بالرغم أنها تعتبر في بلدان أخرى أسلحة يجب عدم اظهارها، ولكن المشرع راعى أنها من العادات العُمانية الأصيلة الواجب الحفاظ عليها.
ومن حسن توفيق الله للتراث العُماني أن جعل معظم الشعب مهتماً بتاريخه وتراثه فكثيرٌ من أبناء الوطن من يعرف تاريخه وتراثه و كثيرٌ ممن يمتلكون مخطوطات و وثائق ونقود وخناجر ومباني أثرية و كثيرٌ ممن أقاموا المتاحف للتعريف بالتراث العماني وهناك من ألزم نفسه بالحفاظ على مهن الآباء والأجداد، ولقد أولى أعز الرجال وأنقاهم التراث عناية عظيمة فاهتم بجمع المخطوطات و الوثائق و رمم القلاع والحصون، وأنشأ مركز لتسجيل وتوثيق وحفظ الفنون العمانية وهيئة للحرف التقليدية، واستقدم البعثات للبحث والتنقيب عن الآثار، ووثقت في عهده الأمثال العمانية وشرحت، ولم يدع واردة ولا شاردة إلا واهتم بها وأمر بتوثيقها وتسجيلها في المنظمات الدولية.
وجاء من بعده هيثم الهّمام ليكون خير خلف لخير سلف، ويكمل مسيرة المجد والخير بمشاركة أبناء شعبه الوفي. وهو الذي حمل أمانة وزارة التراث والثقافة في عهد المغفور له بإذن الله تعالى قبل تنصيبه سلطانا لعمان، مدة 18 عاماً (2002م – 2020م).
حفظ الله عُمان وأهلها وغفر لوالدنا أعز الرجال وأنقاهم وأدخله الفردوس الأعلى من الجنة، ورعى بعنايته سلطاننا هيثم ابن طارق ورزقه البطانة الصالحة ووفقه لكل ما هو خير ولكل ما فيه رفعة هذا الوطن المعطاء وتقدمه وراحة أبناءه الأوفياء وكل العاملين المخلصين للرقي بعُمان وأهلها انه سميع مجيب الدعاء.