قالت: تذكرت بكل ألم كيف ضاع عمري مع زوج لا يتسع المجال لذكر مساوئه.. كيف لي أن أنسى ذلك اليوم بكل تفاصيله والتي مازالت محفورة بأعماقي، ومنظره وهو يسحب بكل جبروت ابنتي مني وهي مازالت في الثامنة من عمرها، وكيف كانت تصرخ وأنا أبكي وأتوسل إليه أن يتركها معي وأن يكون رحيماً بي وبها، كيف أنسى يوم رحلت ابنتي مع ذاكرتها الجريحة، رافق هذا المشهد الأليم غياب الأمان والحنان والسعادة، ورغم ذلك لم أيأس من بذل المحاولات لاحتوائها، وكانت إجابته دوماً إذا أردت أن أطالب بضمها فليكن ذلك عن طريق المحكمة، واستغثت بمن حولي ليتفاهموا معه بأنها من حقي، وأنها تحتاج لوجودي في هذه السن أكثر منه لعلهم يعيدون لي أمومتي المفقودة التي يريد أن يحرمني منها، ولكن بحكم قوته وسطوته ونفوذه وقسوته لم يتمكن أحد من الوقوف في وجهه ولم يبال، وسلبني حقي في رعايتها بدون وجه حق، ومرت الأعوام تلو الأعوام كنت أراها خلسة دون أن يعرف.. فهو قد وضع سياجاً حولها وقام بمراقبتها، فلم أستطع أن أقابلها في مدرستها، ولا حتى في أي بيت، وكنت أقتنص فرصة سفره لنجلس معاً في مكان عام، فلم يكن من السهل أن ألتقط أنفاسي والصور تتزاحم في خاطري لحظة فتحت فيها خزنة الماضي رغماً عني… صور أظهرت كل صفحات الأحزان من مجلدات الهموم، كل تلك الذكريات اقتحمتني وأنا أرسم بخيالي مشهد زفاف ابنتي الذي حرمني من حضوره، فقسوة قلبه وجبروته لم يمنحاني ولو لحظات لأشعر فيها بالسعادة التي تتمناها وتنتظرها أي أم، واكتفيت بالنحيب والدموع بين الجدران الصامتة أبث حزني وهمي لله، إنها قصة طويلة وحزينة لماذا أتذكرها اليوم في فرح ابنتي، قاومت ذكرياتي التي أشعلت نيران الماضي في أعماقي ولم يرجعني إلى واقعي سوى رنين هاتفي، وإذ هي ابنتي التي رفضت الذهاب إلى بيت زوجها بعد انتهاء الزفاف قبل أن تراني ورميت آلامي وكففت دموعي وأسرعت بكل لهفتي أستعد للقائها لحظتها مسحت من داخلي كل معاناتي، فأخيراً سوف أراها وتراني وبعد لحظات كنت في استقبالها وأخذتها في أحضاني وهي بثوب الزفاف لا لم نتكلم لأن دموعنا كانت أكثر قدرة على التعبير، بكيت وبكت دون أن تشتكي، ورغم مظهر الفرح البادي على كل حركة من حركاتها، لكني شعرت بإحساس الأم مدى تأثر مشاعرها التي لا حيلة لي فيها ومدى شعور الألم لفقدها لحناني، مما سبب لها العديد من الجروح النفسية الغائرة التي أقدرها تماماً، وأصرت بكل براءة على أن تبقى معي بعض الوقت والذي قضيناه بين دموعنا ونظراتنا الصامتة، وودعتني على أمل أن يكون لقاؤنا مستمراً، فهي الآن في عصمة رجل آخر غير والدها واستمرت دوامة الحياة، ولكن بطعم رائع مختلف، فقد أصبحت ابنتي دائماً أمام عيني وكانت تلجأ إليَّ في كل صغيرة وكبيرة لتستشيرني وتأخذ رأيي ولم تجد سواي يمنحها الدافع للاستمرار والتحمل والصبر… لحظتها فقط شعرت بأن الدنيا قد ابتسمت لي بعد طول عناء وأن الله قد عوض صبري خيراً.