الكل منا سواء القاصي أو الداني يعلم جيداً قصة نبي الله الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام (كما قال عنه المصطفى عليه الصلاة والسلام)، وهذه القصة وصفها الله عز وجل بأنها أحْسَن القَصَصْ في القرآن الكريم، لذلك سوف يكون تركيزنا في هذا المقال المتواضع على قميص سيدنا يوسف عليه السلام في القصة والذي هو في حَدِّ ذاته قِصّة ضِمْن قِصّة يجدر بنا التوقف عندها لأته قميصٌ عجيب وغريب لم يرد لفظه في القرآن الكريم إلا وكان المقصود به قميص سيدنا يوسف عليه السلام وفي ثلاث حالات مختلفة ومؤثرة في القصة سوف نقوم بتفصيلها وتحليلها في النقاط الآتية بالآيات التي ذكرت فيها.
الأولى: قميص الجريمة والخيانة :- عندما شعر أخوة يوسف عليه السلام بأن أباه يُحِبَّه أكثر مما يُحبهم ويُفضله عليهم، غَارُوا وقَرَّرُوا التخلّص منه بالقتل ثم تَمَّتْ معارضة الفكرة بإلقائه في البئر، فطلبوا من أبيهم صُحْبَة يوسف لرحلة برية لِلَّعِبْ معهم، ووافق يعقوب عليه السلام على ذلك رغم خوفه على يوسف، فحبكوا قصتهم معه وعَادُوا عِشَاءً يبكون بقميصه كما ذكر الله عز وجل في قوله {وَجَآءُو عَلَىٰ قَمِيصِهِۦ بِدَمٖ كَذِبٖۚ قَالَ بَلۡ سَوَّلَتۡ لَكُمۡ أَنفُسُكُمۡ أَمۡرٗاۖ فَصَبۡرٞ جَمِيلٞۖ وَٱللَّهُ ٱلۡمُسۡتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ} (الآية-18)، وفي الآية وصف الله الدم الذي كان على القميص بدم كذب أي لم يكن دم سيدنا يوسف، وقيل أنه دَمُ جديٌ من الغنم لَطَّخُوا به القميص، وفَطِنَ لذلك سيدنا يعقوب عليه السلام بعد أن شاهد القميص الذي عليه الدم غير مُمَزَّق وتأكد من جريمة وخيانة أبنائه التي فعلوها في حق أخيهم يوسف عليه السلام وصبر وأستعان بالله وكان القميص دليلا لسيدنا يعقوب على ذلك، وقيل أن سيدنا يعقوب عليه السلام عَلَّقَ على ذلك بقوله أن “الذئب كان رحيما بيوسف ولم يُمَزِّقْ قميصه”.
الثانية: قميص البراءة والعفة :- بعد أن قامت امرأة العزيز بتربية سيدنا يوسف في بيتها وأحبته حبا شديداً وأصبحت تتحين الفرصة لِتُمَكِّنَ نفسها من ذاته، فدبرت له مكيدة ماكرة وغَلَّقَت الأبواب عليه ودَعَتْهُ للفاحشة التي رفضها واستحضر مراقبة الله الذي أحسن مثواه وهرب مسرعاً إلى الباب فَتَبِعَتْه وأمسكت بقميصه من الخلف ومَزَّقَته من شدة حِرْصِهَا على الإمساك به وأراد الله أن يدخل عليهما العزيز في هذه اللحظة وانتابته الدهشة وتملكته الحيرة والغيرة مما جرى، فبادرت امرأة العزيز بادِّعَائِها على سيدنا يوسف عليه السلام بطلب الفاحشة وأنها العفيفة والمظلومة والمخلصة لزوجها وطالبت بسجنه عليه السلام، وقال الله تعالى في هذا الموقف { وَٱسۡتَبَقَا ٱلۡبَابَ وَقَدَّتۡ قَمِيصَهُۥ مِن دُبُرٖ وَأَلۡفَيَا سَيِّدَهَا لَدَا ٱلۡبَابِۚ قَالَتۡ مَا جَزَآءُ مَنۡ أَرَادَ بِأَهۡلِكَ سُوٓءًا إِلَّآ أَن يُسۡجَنَ أَوۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ * قَالَ هِيَ رَاودَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِد مِنْ أهْلِهَا إنْ كَانَ قَمِيصُهُ قٌدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنْ الكَاذِبِيِن * وإن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَادِقِيِن * فَلَمَّا رَأْى قَمِيِصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إنَّهُ مِنْ كَيْدَكُنّ، إنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيم * يُوُسُف أَعْرِضْ عَنْ هَذَا، وأَسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ، إنَّكِ كُنْتِ مِنَ الخَاطِئِينَ} (الآية 25-29)، وتأكد العزيز بعد شهادة الشاهد من بَراءَة وعِفَّةْ سيدنا يوسف عليه السلام بفضل الله ثم بفضل هذا القميص الذي مُزِّقَ من الخلف وليس من الأمام.
الثالثة: قميص العلاج والفرح :- بعد أن أبيضت عينا سيدنا يعقوب عليه السلام من الحزن (أي ذهب بصره) وشكوى بَثَّهُ وحزنه لله، طلب من أبنائه التَحَسّسْ من يوسف وأخيه بنيامين وعدم اليأس من رَوْح الله لأنها من صفات الكافرين، ثم ذهب أبناء يعقوب ليوسف عليه السلام في مصر، الذي كَشَفَ أمره لهم ولم يؤنبهم أو يلومهم وسمح لهم سماحا من غير تعيير أو توبيخ ودعا لهم بالمغفرة والرحمة وهذا من الإحسان الذي لا يتأتى إلا من خواص الخَلْق وخيار المصطفين، وطلب منهم الذهاب بقميصه وعلاج أبيه يعقوب به كما ذكر الله لنا في قوله تعالى {ٱذۡهَبُواْ بِقَمِيصِي هَٰذَا فَأَلۡقُوهُ عَلَىٰ وَجۡهِ أَبِي يَأۡتِ بَصِيرٗا وَأۡتُونِي بِأَهۡلِكُمۡ أَجۡمَعِينَ} (الآية-93) وكان العلاج بإذن الله والبشارة والفرح في قول الله تعالى {فَلَمَّآ أَن جَآءَ ٱلۡبَشِيرُ أَلۡقَىٰهُ عَلَىٰ وَجۡهِهِۦ فَٱرۡتَدَّ بَصِيرٗاۖ قَالَ أَلَمۡ أَقُل لَّكُمۡ إِنِّيٓ أَعۡلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ} (الآية-96)، وما هو إلا دليل على أن الله أراد لهذا القميص الذي كان سبباً في حزن وهم ومرض سيدنا يعقوب في أن يكون هو نفسه سبباً للعلاج والبشارة والفرح لسيدنا يعقوب عليه السلام.
ويجدر بنا هنا أن نذكر علاقة الحزن بظهور المياه البيضاء، لأن الحزن يسبب زيادة في هرمون الأدرينالين الذي يعتبر مضاداً لهرمون الأنسولين فإن الحزن الشديد مع البكاء أو الفرح الشديد يسبب زيادة مستمرة في هرمون الأدرينالين وبالتالي زيادة في سكر الدم وهو أحد مسببات العتامة على العين، ولقد استطاع العالم المصري الدكتور عبد الباسط محمد الباحث في المركز القومي للبحوث التوصل إلى علاج المياه البيضاء وحصل على براءتي اختراع إحداهما أوروبية وأخرى أمريكية أثناء قراءته لهذه الآيات من سورة يوسف وقصة قميص العلاج وتفكيره في عرق يوسف عليه السلام الموجود على القميص فأقدم على نقع عدسات عين مصابة في العرق ونتج عنه حدوث شفافية تدريجية للعدسات المعتمة فتأكد من أن مركب “البولينا الجوالدين” الموجود في العرق هو السبب في إزالة المياه البيضاء بعد تجربة قطرة منه على 250 متطوعاً، استرد 90% منهم بصرهم بفضل الله.
وأختم بأن قميص سيدنا يوسف عليه السلام أسْتُخْدِمَ في القصة على شكل ثلاث بَيّنَات، فالبَيّنة الأولى كانت مزوره من أخوة يوسف وكانت سبباً لحزن سيدنا يعقوب عليه السلام، والبَيّنة الثانية كانت بينة لبراءة سيدنا يوسف عليه السلام وعفته وطهارته من مكيدة امرأة العزيز ولكنها كانت سببا في سَجْنِهِ عليه السلام ثم خُروجه من السجن وتَقَلُّدِهِ أعلى المناصب عند الملك ووصوله إلى ما وصل إليه بفضل الله ثم بالتقوى والصبر، والبينة الثالثة كانت بينة صحيحة لاستدلال سيدنا يعقوب على حياة سيدنا يوسف برائحة عرقه الموجودة على القميص وعلاجه من مرضه كما قال الله تعالى على لسان سيدنا يعقوب عليه السلام {وَلَمَّا فَصَلَتِ ٱلۡعِيرُ قَالَ أَبُوهُمۡ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَۖ لَوۡلَآ أَن تُفَنِّدُونِ} (الآية-94)، وهو ما يؤكد أن سبب الحزن بالأمس قد يكون نفسه هو سبب السعادة والفرح اليوم.
@HashwanO