في كل عصر ومصر يكون القانون هو السيد الذي يأتمر الجميع بأوامره وينتهون بنواهيه، وما ذاك إلا لأن القانون هو المُعبر الحقيقي عن رغبة الشعب في العيش الكريم في إقليم ما، والمتتبع لحياة الشعوب في الحضارات الحالية والسابقة، يجد أن القانون سلاح قاتل إن استخدم بدون مراعاة قواعد الاستخدام الأمثل له، وهو في هذه الخاصية شأنه شأن أي أمر آخر، ولننظر إلى السلاح الناري الذي إن استخدم بشكل مخالف لقواعد استخدامه فإنه سيّجُر الويلات والدمار وسيخلف قتلى ومصابين، وكذلك أعواد الثقاب فإن أُستخدمت بغير مراعاة لقواعد استخدامها فستجد النيران تشتعل في أماكن كثيرة وستخّلف خسائر في الأرواح والممتلكات العامة والخاصة.
من تلك المقدمة البسيطة نجد أن لكل شيء قواعد للإستخدام يجب مراعاتها للحصول على الفوائد المرجوّة، وإن لم تتم مراعاتها ستكون وبالاً على المجتمع، ولذا نجد أن المصانع تقوم بوضع كتالوج فيه تعريف بالمنتج وفيما يستخدم وكيفية استخدامه.
والقانون هو أسمى القواعد وأعلاها وبالتأكيد أن له قواعد استخدام يجب مراعاتها وإلا سنجد أن القانون ضد الشعب حيث سيشكل عقبة في طريق التقدم والازدهار، وسيكون سالب للحرية الفردية بدون مبرر، وهادم للديمقراطية، وغير محقق لطموحات الإنسان، بل سنجده محطم لجميع حقوقه، مُعليًا شأن الطغاة والجبابرة.
وللقانون عدة تعريفات، نجد أن أبسط تعريف له بأنه: مجموعة من القواعد القانونية العامة والمجردة التي تنظم سلوك الناس في المجتمع مقرونة بجزاء يوقع على من يخالفها. ومن خلال ذلك يتبين للقارئ الكريم أن عناصر ذلك التعريف هي:
١- القانون مجموعة قواعد قانونية، وبالتالي تخرج باقي القواعد الأخرى كقواعد المجاملات والعادات والتقاليد التي لم تقرر بنص قانوني.
٢- أنها قواعد تخاطب الجميع للإلتزام بأحكامها، وتطبق على الجميع، ولا يتعارض مبدأ العمومية هذا إن خاطبت القواعد القانونية مجموعة معينة في المجتمع كالأطباء في قانون ممارسة الطب طالما أنها تخاطبهم بصفتهم لا بأشخاصهم، كما لا يؤثر أن تقتصر على إقليم من أقاليم الدولة دون بقية الأقاليم طالما أنها تخاطب جميع من في الإقليم.
٣- تنظم سلوك الناس في المجتمع، بحيث تكون من الضرورة لأن يتم إصدارها لتنظيم سلوك الناس في المجتمع وهذا أهم مبرر لإصدار القانون، وبالتالي فإن لم توجد المبررات الكافية لمصلحة المجتمع فلا يجوز إصدار قانون، لأنه لن يلقى القبول بين الناس، وكذلك فإنهم لن يحترموا أية أوامر ونواهي لا تعبر عن حاجتهم للعيش بكرامة ولا لأية قواعد لا تعبر عن تطلعاتهم واهتماماتهم.
٤- مقرونة بجزاء يوقع على من يخالفه، وهذا الجزاء يجب أن يكون متناسبًا مع الضرر الذي يلحق بالمجتمع من جراء مخالفة القانون ومتناسبًا مع النتائج المترتبة على السلوك المخالف أو النتائج المتوقع حصولها، وكذلك متناسبًا مع خطورة مرتكب السلوك المخالف للقانون.
وربما يجد الناس أن بعض القوانين قد صدرت لأمور لا علاقة لها بتنظيم العلاقات بين الناس، وخاصة القوانين والتشريعات المتعلقة بتداول الأسهم والسندات إذ صدرت كقواعد توجيهية تنظيمية لعمليات التداول.
وأرى أن الأمر الأشد ضررًا على القانون هو صدور قانون يتضمن عقوبات مشددة لا تطاق وذلك راجع إلى كثرة تفويض السلطة التشريعية للسلطة التنفيذية في إصدار القوانين خاصة ما يتطلب خبرة فنية وسرعة في التعديل.
ولعل الأسوأ والكارثي هو أن تصدر القوانين لتخدم مصلحة فئة نافذة فقط في المجتمع، ولعل ذلك أيضًا لا يحصل إلا في ظل أنظمة ديكتاتورية.
ونحن ولله الحمد في بلد – قرر والده أعز الرجال وأنقاهم- أن الرحمة فوق القانون – وهو مبدأ سار عليه خير خلف لخير سلف- ، فالقانون يصدر لخدمة المجتمع وفوق هذا وذاك فإن الرحمة واللطف أعلى من القانون.
ولذا تجد من الضمانات التي وضعها المشرع العُماني والتي تحُول دون وقوع ظلم أو تجاوز على الحريات العامة والحقوق الإنسانية وذلك في جميع مراحل تطبيق القانون.
ولعل أهم ما نختم به هذا المقال هذه المقولة الخالدة لأعز الرجال وأنقاهم عليه من الله شآبيب الرحمة والمغفرة، حيث جاء ضمن خطابه الموجه لكبار رجال الدولة في ١٩٧٨/٥/١٥: “لقد وضعت قوانين لهذه الدولة، وذلك للمحافظة على مصالح الشعب، فعليكم أن تدرسوا هذه القوانين، وألا تتجاوزوا في المعاملات أيَّ نصٍّ لتلك القوانينِ، بل يجبُ التقيدُ بها واتباعُ ما جاء في نصوصها”.
إذن فالقوانين في سلطنة عُمان وضعت لمصلحة الشعب وليست ضده، ولعل المغفور له بإذن الله والمعروف ببصيرته الثاقبه علم أن سيكون هناك من يحتاج لمزيد من إعمال النظر والتأمل والتبصر في القوانين قبل تطبيقها خلافًا للهدف الأسمى الذي صدرت لتحقيقه، ولذا نبه على موظفي الدولة جميعًا على وجوب دراسة هذه القوانين وأن يطبقوها وفق الهدف الأسمى الذي صدرت من أجله وهو المحافظة على مصلحة الشعب، كما ألزمهم بالتقيد بها وإتباع نصوصها.
غفر الله لنا ولكم ولوالدينا ووالديكم ولجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، وجمعنا بهم في مستقر رحمته في الفردوس الأعلى من الجنة.
وختامًا نسأل الله أن يجعل هذا البلد آمنا مطمئناً وأن يرفع عنا وعنكم وعن جميع المسلمين البلاء والوباء والمحن وسوء الأسقام وأن يحفظ لنا بلادنا وسلطاننا من كل سوء ومكروه إنه ولي ذلك والقادر عليه.
مكتب د.أحمد بن صالح البرواني للمحاماة والإستشارات القانونية