ينبغي أن يكون النظام التعليمي في المجتمع الإسلامي انعكاسًا لنظرية التربية الإسلامية باعتبارها الموجه والمرشد لعناصر التربية كافة، خاصة المنهج التربوي بجميع مكوناته من أهداف ومحتوى وتقنيات تعليمية وأنشطة وأساليب تقويم، وظواهره المرتبطة بعملياته من متعلم ومعلم وكتاب مدرسي
فتعكس النظرية التربوية الإسلامية صورة المجتمع المسلم، وأهدافه، وتطلعاته المستقبلية في أفراد المجتمع، وتتكون من خلال مفاهيم وتصورات المؤسسات التربوية البيت والمدرسة والمؤسسات المجتمعية، وتواجه النظرية التربوية الإسلامية تحديات عديدة على جميع الأصعدة الاجتماعية والثقافية والتعليمية تعمل على محاولة تغريب المجتمع المسلم، وذوبان هويته الفرد المسلم في ظل العولمة وصراع الحضارات، لذا كانت هناك حاجة مهمه لصياغة نظرية تربوية إسلامية مستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية ومن التراث الفكري للمسلمين عبر العصور تساعد في بناء المناهج التربوية.
فتعبر النظرية التربوية الإسلامية بناء فكري كلي شامل مكون للمعرفة البشرية وتعد مجموعة من التصورات والمفاهيم والأفكار والأهداف والأحكام والقيم ذات الحد الأقصى من التجريد والعمومية و يمكن في ضوئها تفسير العمليات التربوية الإسلامية تقريرها وتقويمها اعتبارا من أساسها ومناهجها وأساليب تحقيقها بوسائل وتنفيذها، وموضوعها إعداد الإنسان المسلم، و الصعود بالإنسان المكرم إلى كماله بالتدريج حسب المراحل التكليفية، حتى يمكنه إدراك الرؤية المعرفية التي تتمثل في السلوك والواقع في حقيقة الكون والوجود والخلافة الإنسانية وفيما بعد الحياة.
لقد دعت النظرية التربوية الإسلامية إلى ضرورة تفعيل التصور الإسلامي في المواقف التعليمية للعلوم الاجتماعية، والتربوية، والنفسية، والعلوم الطبيعة، وتوجيه هذه العلوم الحديثة التي نُقلت للمسلمين ونُقل معها فلسفتها اللادينية، ونظرياتها المادية، فأحدثت انفصال في شخصية المسلم، وبنية المجتمع، ونتج عنها ثنائية المناهج التعليمية التي فصلت فلسفات مناهجها بين الجانب المعرفي والجانب الديني، فأصبحت هناك علوم دينية وعلوم لا دينية، فيساعد التصور الإسلامي التربوي في بناء وتخطيط مناهج إسلامية للعلوم الاجتماعية والتربوية والنفسية والطبيعة أيضا.
والغاية من بناء المنهج التربوي على أساس من النظرية التربوية الإسلامية؛ لتبرز هوية الأمة الإسلامية بالمعنى الحضاري والفكري والثقافي وليس بالمعنى العرقية والعنصرية؛ ولتؤكد على هويتها الثقافية من خلال عملية تأصيل العلوم والمعارف النظرية والتطبيقية، وإعادة النظر في المفاهيم والنظم والنظريات وتحليل الواقع وفهمه جيدًا؛ للوصول إلى إطار معرفية ومبادئ، أو نظريات صحيحة للتربية، وتكون مرجعًا لأنشطة العمل التربوي بما يتناسب مع المنهج الرباني.
ومما يميز المنهج التربوي الإسلامي أنه يحافظ على المجتمع المسلم من التبعية والتقليد للنظريات التربوية الأخرى التي تقوم على فلسفات غير إسلامية أو مذاهب إلحادية كما أنها تقدم معيار مقارنة يقارن به بين النظريات والتوجهات التربوية الأخرى، ويعمل على ربط الماضي بالمستقبل، ويسلط الضوء على الحضارة الإسلامية في ماضيها ليساعد في معالجة الأخطاء المعاصرة واستشراف المستقبل، فمعرفة الذات الحضارية أحد أهم الموضوعات التي تواجه العمل التربوي في البلاد الإسلامية، لأن الحضارة الإسلامية تعرضت لكثير من الغزو الفكري، والاستعمار الحضاري.
فيكّون المنهج التربوي الإسلامي لدى المتعلم القدرة على مواجهة التغريب الفكري المعاصر، والغزو الحضاري، و يعمل على حماية الفكر الإسلامي والهوية الإسلامية العربية، ويقاوم (نظرية الوحدة الحضارية العالمية) التي تهدف إلى صهر الحضارات عامة، والحضارة الإسلامية خاصة في حضارة واحدة مبنية على أسس لا دينية مادية، وتقضى على تميزها وهويتها الإسلامية، فبناء المناهج التربوية على هذه الأسس الإسلامية ليس نوعا من التطرف، أو إثارة التفرقة الدينية؛ إنما هو نوع من الصدق والأمانة العلمية حسب ما جاء به الوحي وما يقتضيه العقل.
إذا على ما سبق فإن المنهج التربوي الإسلامي يعتبر نظام متكامل من القيم والمعارف والخبرات والمهارات التي تقدمها مؤسسة تربوية إسلامية إلى المتعلمين فيها بقصد تنميتهم تنمية شاملة متكاملة جسميا وعقليا ووجدانيا وتعديل سلوكهم في الاتجاه الذي يمكنهم من عمارة الأرض وترقية الحياة وفق منهج الله، كما أنه يحافظ على التناسق بين المنهج المدروس الظاهر في المؤسسات التربوية، وبين المنهج الخفي الذي ينشأ بالتوازي مع المنهج الظاهر ويتكون من خلال التعاملات الاجتماعية والإدارية، وهذا المنهج الخفي يتسم في المنهج التربوية الإسلامية بأنه منهج قائم على الإحسان، وهو تعامل الأخرين بما يرضى الله عز وجل، وهذا مما يميز المنهج التربوي الإسلامي هو انه يركز في بنائه على تكوين الضمير الوجداني الإسلامي.
كما أن من صور التكامل الذي يقوم على المنهج التربوي الإسلامي أنه ليس مخصص لمقررات التربية الإسلامية، أو وحدة في مقررات العلوم الإنسانية والاجتماعية، أنما لا بد من أن تبنى جميع المقررات الدراسية العلمية التطبيقية، والمقررات الإنسانية الاجتماعية، والأنشطة الصفية وغير الصفية، والأنشطة المنهجية وغير المنهجية، على أسس المنهج التربوية الإسلامية، بالإضافة الى إعداد المعلم والموظف العام في المؤسسات التربوية بما تمثله القيم التربوية الإسلامية في التعاملات الإنسانية والاجتماعية، من الإحسان والعدل والحب والتعاون والتآزر ونصرة المظلم وقول الحق والعطف على الصغير واحترام الكبير
وفي ختام القول فان المنهج الذي يتقوم على النظرية التربوية الإسلامية فإنه يعمل على جعل المناهج متكاملة ومتناسقة فكل موضوعات المقرر تشكل جزء من صورة المنهج التربوية الإسلامية، وتساعد المتعلم في التعبد لله عز وجل في دراسته، والانتفاع بما درسه من العلوم لما فيه خير الإسلام والمسلمين.