أولى الإسلام عناية فائقة بالتربية الأخلاقية، فالأخلاق هي أساس الدين لقوله صلى الله عليه وسلم” إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق” (رواه أحمد، ،ح8952ج 14 ص512) “والدين كله خلق فمن زاد في الخُلق زاد في الدين “(ابن القيم، 1416ه،ج2ص249) ولبناء أي مجتمع، لابد من الاهتمام بالتربية الأخلاقية فهي ضرورة اجتماعية؛ للحفاظ على الروابط الاجتماعية بين الناس، وتقوية الصلات، إذا لا وجود لأي صلة اجتماعية في غياب الأخلاق، فالتربية بالأخلاق تغرس المحبة والالفة في المجتمع لأن الفرد فيها لا يبحث عن ذاته فقط، وإنما يشارك الاخرين افراحهم واحزانهم ويساعدهم على تجاوزها.
كما أن التربية الأخلاقية تحث وتشجع على التعاون، والتعاون يساعد على تمتين أواصر الارتباط بين الناس بعضهم البعض، ويتعرفون أكثر على بعضهم، ويتبادلون الخبرات والمهارات. (أبو شهاب، 2017)
وتنبع أهمية التربية الأخلاقية في تكوين الوعي بوحدة الحياة الاجتماعية، فعندما نمعن النظر في عمق الحياة الاجتماعية ومدى ما تتأثر به هذه الحياة من أعمال الأفراد الخيرة أو الشريرة عندما نمعن النظر في هذا يحق لنا أن نشبه تلك الحياة بجسم واحد (يالجن، 2003)
فالأخلاق الحميدة تؤدي إلى وجود مجتمع متماسك ومترابط قويم البنيان وراسخ القيم وراقي في التعامل، والسبيل إلى ذلك التربية على الأسس الأخلاقية الصحيحة تؤدي إلى نشأة مجتمع قويم تقل فيه مظاهر الانحراف والفساد، وتٌساهم في قوّة البنية الداخلية للمجتمع، والحدّ من حدوث المشكلات المجتمعية ، كما أنّها تقلل من الجرائم وغيرها في المجتمع لأنّها بمثابة رادع للإنسان، وهي اللبنة الأساسية التي ترتكز عليها المثل العليا للوصول إلى الأمن والأمان الذي تنشده المجتمعات ، لأن انعدام الأخلاق في المجتمع يعني دماره وتحوّله إلى غابة لا يوجد فيها أي رادع أو قانون.
تعمل على بناء روابط الأمان والثقة في المجتمع، فيشعر الفرد بأنّه آمنٌ على أمواله ونفسه وأملاكه وأراضيه، ويشعر بينه وبين نفسه بالثقة بكلّ من حوله فيأمن غدرهم ومكرهم لأنّه يعلم أنّ الأخلاق تمنع الغدر والخيانة والظلم، فيشعر الفرد الذي يعيش في مجتمعٍ مسلحٍ بالأخلاق أنّ حياته آمنة وليس فيها ما يدعو للخوف ما دام ينتمي لمجتمع تسوده الأخلاق، كذلك التربية الأخلاقية تعمل على زيادة الكفاءة في العمل، لأن الأخلاق تجعل الفرد يتخلّص من كلّ العادات السيئة التي تمنع تطوّر العمل، لأنّها تمنع صاحبها عن الرشوة والكذب والتزوير، وتزيد من الإنتاجية، وتدعو إلى إتقان العمل. (دوركايم، 2015)
إن دور تربية الأبناء على الأخلاق لا يقتصر على بناء المجتمع المحكم المتقدم، بل أيضا المساهمة في بناء مجتمع سعيد، فالتربية الأخلاقية هي الأساس القوي الذي يصح أن يعتمد عليه في إسعاد الشعوب، لأن لها أثر كبير في قلوب الأطفال، فهي تربية سداها ولحمتها الإخلاص والثقة والحب الصحيح المتبادل بين الأطفال وأسرتهم ومجتمعهم، فسعادة البلاد ليست بوفرة إيرادها ولا بقوة حصونها ولا بجمال مبانيها، وإنما سعادتها بعدد المهذبين من أبنائها وبعدد الافراد ذو التربية والأخلاق فيها. (أعرافي، 2012)
ولهذا فهناك أهمية لوضع الأسس الأخلاقية الصحيحة لبناء الفرد من الناحية (الجسمية والروحية والعقلية والنفسية)، فكل هذه الحقائق الاخلاقية يجب إدخالها في وعي الأطفال وإقناعهم بها وسوقهم إلى السلوك بموجبها لتتكون العادة الصالحة عندهم مع تكون النظرة السليمة إلى الحياة الاجتماعية.
قائمة المراجع
ابن القيم، محمد بن أبي بكر. (1416ه). مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين. ط3. دار الكتاب العربي.
أبو شهاب، سناء نمر (2017). مدخل الى التربية الأخلاقية والتعليم وآثارهما على إنماء المجتمع. دار المعتز للطبع والنشر.
أحمد بن حنبل. (1421هـ). المسند. المحقق: شعيب الأرنؤوط. مؤسسة الرسالة.
أعرافي، على رضا (2012). فقه التربية، المبادئ والنظريات والمنطلقات، ج1. مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي.
دوركايم، إميل (2015). التربية الأخلاقية. المركز القومي للترجمة.
يالجن، مقداد (2003). التربية الأخلاقية الإسلامية. دار عالم الكتب.