الأصل في أشخاص الخصومة القضائية أن تكون بين المدعي (من ترفع منه الدعوى) والمدعي عليه (من ترفع الدعوى في مواجهته)، إلا أن هذا الأصل لا ينفي تغير مراكز الخصوم (كأن يصير المدعي الاصلي في مركز المدعي عليه والعكس…) وذلك على اعتبار أن كل من يوجه طلبا ما في مواجهة الاخر يتخذ مركز المدعي، والجدير بالذكر أن كلاهما يعدان أطرافا أصليين في الدعوى؛ ويستوي في ذلك أن يكون إما منفردين وإما متعددين، كما يستوي أن يكون هذا التعدد عند بدء الخصومة (اختياريا أو جبرًا) أو بعد ذلك ويعرف بالتعدد الطارئ الذي يعد التدخل أحد أهم الطرق الذي يتحقق من خلاله هذا التعدد.
إن التدخل في الدعوى لا يتم إلا بصدد دعوى مرفوعة حقيقةً، ويتم بواسطة شخصًا من الغير (أي من غير الاطراف الاصليين المدعي والمدعي عليه) يتدخل في قضية ما بمقتضى إرادته على أساس المطالبة بحق من حقوقه أو لوجود مصلحة له، بحيث يقوم من خلال هذا التدخل إما بتقديم طلب في مواجهة الاطراف الاصليين أو أحدهما، وإما القيام بالدفاع عن أحد الخصمين بعد الانضمام له؛ وعليه يتخذ هذا التدخل شكل الهجوم كما هو الحال في الحالة الأولى، وقد يتخذ شكل الانضمام كما هو واضح في الاخير، فالتدخل ” دخول شخص أو أشخاص من الغير في خصومة قائمة من تلقاء نفسه، أو بناء على نص القانون، ويشمل ذلك الاشخاص والادعاء العام”.
إن التدخل يعد من المسائل الفرعية ونوعا من أنواع الطلبات التي تطرأ على الدعوى المنظورة أمام المحكمة، وبالتالي يشترط فيه كقاعدة عامة ما يشترط في الدعوى من صفة ومصلحة، وكذلك ضرورة الارتباط سواء أكان هذا الارتباط مباشرًا أو غير مباشر، وفي المقابل لتدخل اعتبارات هامة أهمها: ( احترام حقوق الدفاع، عون المحكمة على حسن سير العدالة، الاقتصاد في الاجراءات، توقي صدور أحكام متناقضة في مسألة واحدة أو في مسائل مرتبطة)، ومما سبق ذكره نستنتج بأن للتدخل صورتين قد يكون هجوميا (يطلب من خلال المتدخل الحكم لنفسه بطلب مرتبط بالدعوى)، وقد يكون انضمامي (يطلب المتدخل من خلاله مجرد الانضمام لاحد الخصمين)، والجدير بالاشارة هنا علاوة على ذلك قد يكون التدخل في الدعوى المدنية من جانب الادعاء العام في حالات مذكورة على سبيل الحصر.
لقبول التدخل شروط منها ما يتعلق بالدعوى بشكل عام وتتمثل في الصفة والمصلحة، ومنها ما يتعلق بكونها طلبا عارضا وهي ما تعرف بالشروط الخاصة والتي تتمثل في: (١- رفع الطلب للمحكمة المختصة وهي المحكمة التي تنظر في الدعوى الأصلية غالبًا، ٢- أن تكون الدعوى قائمة، ٣- أن يتم التدخل قبل قفل باب المرافعة، ٤- وجود صلة ارتباط أو وحدة بين الطلبات في الدعوى الأصلية وطلبات التدخل…، وعلاوة على ما سبق شرط الشكلية لاسيما في دعوى صحة التعاقد التي تتطلب شهر صحيفة الدعوى.
إن الأهمية التي تنطوي عليها تناول موضوع كهذا هو الاثار المترتبة على التدخل لاسيما تلك التي تتعلق بإكتساب المتدخل صفة الخصم، وحجية الحكم الصادر في مواجهة المتدخل، واكتساب الحق في الطعن، وأيضا المركز القانوني للمتدخل، والفصل في الطلبات والدفوع؛ كما أن هذه المُكنة القانونية قوامها الحفاظ على الحقوق بل وتمكين الأفراد بالأدوات القانونية والحرص على توجيههم التوجيه القويم وذلك تحقيقا لإرساء قيمة العدالة والتأكيد على مفهوم الدولة القانونية والتي تتحقق ليس فقط من خلال سلامة التشريعات بل أيضًا وضوح الاجراءات وبسطها في متناول الفرد.
Dhafiralharthi@gmail.com
المرجع:
د.رمضان إبراهيم علام،التدخل في الدعوى المدنية أمام القضاء، الطبعة الثانية، دار الكتاب الجامعي، ٢٠١٩.