قال الله تعالى:(يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين)، الاستبشار بالشيء معروف أنه يكون قبل مجيئه، وما من إنسان إلا وهو يرجو مجيء نعمة ويترقب حلولها بحياته، ولكن منهم من تكون نفسه على استبشار بمجيئها، ومنهم من يكون على قلق وخوف، والأمر متعلق بإيمان النفس، فكلما زاد إيمانها بالله وقوي، زاد عندها الاستبشار وقوي، وضعف اليأس وقل.
لكي يتحقق الاستبشار المذكور بالآية، على المؤمن أن يوقن بما خُتمت به:(وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين)، هذا الذي يضمن للنفس نزول الاستبشار بساحتها، وإذا نزل الاستبشار بالنفس اطمأنت وسكنت، وهدأ اضطرابها، وسكتت بلابلها، إذ البشرى قادمة لا محالة، يسوقها القدر إليك، أو يسوقك إليها، ومن حكم العرب: إنك ستساق إلى ما أنت لاق.
ألا تعلم أن الله حرم الظلم على نفسه، ولكن خلقه الجاهلون والحمقى، استباحوه لأنفسهم، والذي لا يظلم كيف يضيع أجر عبده المؤمن؟!
لا ينسى الله عملا صالحاً عملته لوجهه، بل أنت من تنسى، تنسى فضل الله عليك، الذي يغمرك من حيث لا تشعر.
اخرج من دائرتك التي يدور حولها تفكيرك، وانظر حواليك، انظر ماذا أعطاك الله، وماذا عوضك.
الله لا يتأخر عنك بعونه وعطائه واستجابته، ولكن حقيقة الأمر أنه يهيئك لما أنت قادم إليه، سبحانه يريد بحكمته ألا يبلغك ما تسأل إلا وأنت مزوَّد بمحصول من المكاسب والخيرات النفسية والعلمية والفكرية والخلقية.
يريدك سبحانه قبل حلول قدرك المعلوم، أن تستوي عقل وخلقا، فلا تنال نعمته وفضله إلا وأنت قد بلغت أشدك كما يعبر القرآن، ألا ترى أنه لا خير في الثمار الفجة، ولا في القواطع اللينة.
كل ما عليك أن تستبشر، وكل آتٍ قريب كما يقال، وعليك أيضاً أن تهون من أمر الدنيا، الدنيا التي ستخرج حتما من يديك، وألا تستصعب أمرا أو تستيئس حدوثه ولتتذكر دائما أن الحوائج تقضى بيد الله لا بيد الناس.
وبعد، فتأمل تلك الآية:(يستيشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين)، وتضلَّع من مائها، واغطسْ فيها روحك حتى تفيض عليك من نورها، وكذلك هو شأن المؤمنين، مهما يطلْ بهم الابتلاء وتضقْ بكربه وغمه نفوسهم، فإنهم يستبشرون بنعمة من الله وفضل، هم قد يخافون ويحزنون، ولكن لا تستبد بقلوبهم المخاوف والأحزان، فتطير برشدها وحلمها.
من أقوال عمر بن الخطاب:(ما أبالي علامَ أصبحت، على ما أحب، أو على ما أكره، لأني لا أدري الخير فيما أحب أو فيما أكره).