Site icon صحيفة العربي الإلكترونية

“الإدارة العمياء والضمائر المباعة” بقلم : غزلان بنت علي البلوشية

في بعض المؤسسات، تُدار المعركة بين طرفين يبدوان على النقيض، لكنهما في الحقيقة يلتقيان في نقطة مشتركة: غياب الضمير المؤسسي.
من جهة، هناك الإدارة العمياء، تلك التي لا ترى أبعد من تقارير شكلية ومؤشرات وهمية، تتخذ القرارات وكأنها تُدير أرقامًا لا بشرًا، وتغضّ الطرف عن الفوضى الداخلية أو تُبررها بحجج واهية. إدارة لا تُصغي، ولا تراقب إلا عند الانهيار، ولا تُحاسب إلا عند البحث عن كبش فداء.
ومن الجهة الأخرى، يقف الموظفون الذين باعوا ضمائرهم، أولئك الذين يحضرون بأجسادهم ويغيبون بعقولهم، يوقعون حضورهم على الورق ويغيبون عن الحضور في الأداء. يتفننون في تعليق فشلهم على الإدارة، وكأن سوء أدائهم ليس اختيارًا شخصيًا، بل قضاء وقدر أُنزل عليهم من أعلى.
المفارقة أن كليهما – الإدارة العمياء والموظف عديم الأمانة – يساهمان في هدم المؤسسة من الداخل، لكن كل طرف يلوم الآخر وكأن يديه نظيفتان. الإدارة تُبرر قراراتها بأنها رد فعل على ضعف الموظفين، والموظفون يبررون تقصيرهم بأن القيادة لا تستحق الولاء. والنتيجة: دائرة مغلقة من الأعذار، يختفي فيها الانتماء، ويحل مكانه الإهمال الممنهج.
التحليل الواقعي يوضح أن المؤسسات الناجحة لا تُبنى فقط على وجود أنظمة جيدة أو كفاءات فردية، بل على عقد أخلاقي غير مكتوب بين القيادة والموظفين. الإدارة الواعية تُراقب وتُقيّم وتدعم، والموظف الأمين يؤدي أمانته بإخلاص، حتى في غياب الرقيب. غياب أيٍّ من الطرفين يفتح الباب للانهيار، ولو بعد حين.
الخلاصة: إذا كانت الإدارة هي العقل، والموظفون هم القلب، فإن فقدان أحدهما للوعي أو النبض يقتل الجسد المؤسسي كله.

وفي وسط هذه المعادلة المختلة، يظهر عامل آخر يزيد النزيف المؤسسي: أداء الموظفين في ظل مساندة أو تهميش رؤساء الأقسام. فالموظف الذي يجد دعمًا حقيقيًا من رئيس قسمه، وتشجيعًا على تطوير مهاراته، وقدرًا من الحماية من القرارات العشوائية، غالبًا ما يتحول إلى عنصر إنتاج وإبداع. لكن حين يغيب هذا الدعم، ويكتفي الرئيس بالمشاهدة أو الانحياز للمحاباة، يتحول المشهد إلى بيئة طاردة للكفاءات.

الأخطر من ذلك حين تُلقى أعباء الكسالى على أكتاف المجتهدين، فيُرهقون نفسيًا وبدنيًا، ويشعرون بأن جهدهم يُستنزف بلا تقدير. هنا، تبدأ شرارة الإحباط في الاشتعال، وتتسع دائرة التذمر، حتى يصل المجتهد إلى مرحلة لا يرى فيها أمامه إلا خيارين: الانسحاب الصامت أو الاستقالة الريحة. إن تجاهل هذه الديناميكية يضمن للمؤسسة خسارة أفضل عناصرها، لتبقى في النهاية مع إدارة عمياء، وموظفين بلا ضمير، وأقسام بلا روح.

إذا أرادت المؤسسة أن تعيش وتزدهر، فعليها أن تفتح عيني الإدارة على الواقع، وتُنعش ضمير الموظفين بالمسؤولية. فالإدارة التي ترى وتسمع وتدعم، والموظف الذي يعمل بأمانة حتى في غياب الرقيب، هما معًا صمام الأمان ضد الانهيار. تذكّروا دائمًا: النجاح المؤسسي ليس معادلة معقدة، بل التزام متبادل، وإخلاص لا يُباع ولا يُشترى.

Exit mobile version