لا شك أنه سؤال حَيَّرَ الكثير، لذلك كان هناك جدلاً كبيرًا حول هذا الموضوع بسبب أن بعض الأطباء كانوا يعتقدون أن القلب هو مجرد عضو عضلي مهمته تنظيم ضخ وتوزيع الدم حسب احتياج الجسد، رغم أن الإسلام وَضَّحَ بأن القلب هو مصدر العقل والتوجيه والقيادة والشعور والمسؤولية والوعي والفرح والاشمئزاز وقد ذَكَرَ الله ذلك في القرآن الكريم قبل أكثر من 1400 عام، وأثْبَتَ عِدِّة عُلماء وباحثين متخصصين في عِلْمَ القلب صحة ما ذكره الله تعالى في القرآن، وسوف نتطرق إلى ذلك بتفاصيل مهمة بعد التركيز على آيات الله في المقام الأول، وعلى رأس هذا الآيات قوله تعالى {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} (الحج-46) وهو دليل واضح من الخالق عزَّ وجَل الذي خلق النفس البشرية، على أن القلب هو الذي يقوم بمهمة العقل وليس الدماغ.
أما آيات القرآن الكريم التي تثبت مهمة القلب فهي كثيرة وأهمها ما يلي:
- مهمة العقل والفهم:- بالإضافة إلى الآية الرئيسية في سورة الحج، يقول الله تعالى {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا} (الأعراف-179)، وتدل هذه الآية على أن مهمة القلب هي الوعي والتفقُّه والتَّفكُّر.
- مركز الإيمان بالله والكفر:- وفي ذلك قال الله عزَّ وجَل {مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (النحل-106)، وقوله تعالى {وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ۚ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (التغابن-11).
- مهمة المسؤولية واتخاذ القرار:- وهو ما يوضحه الله عز وجل في قوله {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ۚ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} (البقرة-283)، حيث حَمَّلَ الله عَزَّ وجَل مسؤولية الإثم والعصيان للقلب والتي تقابلها مهمة الطاعة والتنفيذ.
- مهمة الاستقبال والوعي عند الإنسان:- أكد الله ذلك في قوله تعالى {وَإِنَّهُۥ لَتَنزِیلُ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ * نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلۡأَمِینُ * عَلَىٰ قَلۡبِكَ لِتَكُونَ مِنَ ٱلۡمُنذِرِینَ} (الشعراء 192-194) وهو دليل أن الاستقبال والوعي يتم في القلب وليس الدماغ.
- مركز الألفة والإحساس:- أمَّا مَا يثبت أن القلب هو مصدر الألفة والإحساس وترابط الشعور هو قول الله تعالى {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ۚ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (الأنفال-63).
- مهمة الفرح والاستبشار والاشمئزاز:- قال الله تعالى {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ۖ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} (الزمر-45) وهي مهمة يؤكد الله أن مَحَلَّها القلب.
رأي علماء وأطباء القلب وما أثبتوه من واقع التحاليل والأبحاث:-
لاحظ العلماء والأطباء أثناء عمليات زرع قلب جديد في جسد مريض، أن النبض يبدأ فوراً دون انتظار إشارة أو أمر من الدماغ لذلك نجد أحيانا حدوث موت لدماغ الإنسان ولكنه يظل حياً لأن قلبه مازال ينبض وهو ما يسمى “بالموت السريري” وهذا يدل على أن القلب يعمل مستقلا دون أي توجيهات من الدماغ وهو عكس ما كان يعتقد البعض، بل إن العلم الحديث أثبت أيضاً أن القلب هو الذي يقوم بإصدار التوجيهات للدماغ.
وفي بحث أجراه الباحثان “مايك أثكنسون ورولن ماك كراتي” وتَمَّ عَرْضَه في اللقاء السنوي للمجتمع البافلوفي عام 1999م لإظهار نتائج مهمة وهي أن هناك علاقة بين القلب وعملية الإدراك وتم إثباتها بقياس النشاط الكهرطيسي للقلب والدماغ أثناء عملية الفهم لظاهرة ما، ووجد الباحثان أن هناك تناسب لعملية الإدراك مع أداء القلب أي أن كل ما كان أداء القلب أقل كان الإدراك أقل.
كما أكد الدكتور محمود الشربيني أستاذ العناية المركزة وطب الحالات الحرجة في مصر وإنجلترا أن العلماء من خلال الدراسات والأبحاث الخاصة بالقلب توصلوا إلى أن القلب ليس مُجَرَّدْ عضو عضلي لضخ الدم فقط وإنما يحتوي على أكثر من 40 ألف خلية عصبية معقدة لا تزال مجهولة للعلماء حتى الآن وأن القلب يُفكِّر ويَعْقِل ويَفهم ويتذكر، وأن معهد رياضيات القلب الأمريكي توصل لنتيجة أن للقلب دورا مهما في العواطف والأحاسيس والإدراك والتعلم وأن له مجالاً كهربياً أقوى 60 مرة من المخ والمجال المغناطيسي للقلب أقوى 5000 مرة من المجال المغناطيسي للمخ، لذلك فأن القلب هو المسؤول عن توجيه المخ وأجهزة الجسم لأداء وظائفها.
ويؤكد الدكتور جي أندرو أرمور أن هناك دماغاً شديد التعقيد في القلب وفي كل خلية عصبية من خلايا القلب والتي تعمل بكل دقة لتنظيم معدل ضربات القلب وإفراز الهرمونات وتخزين المعلومات وإرسالها للدماغ وتلعب دورا مهماً في الفهم والإدراك.
وأختم بحديث المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام الذي قال فيه “ألاَ وإنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَة إذَا صَلحَت صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذا فًسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألاَ وَهِيَ القَلْبُ” (متفق عليه)، وهو من الأحاديث التي حَيَّرت عُلماء الغرب عندما علموا به وعن حقيقة دور القلب وأهميته في إصلاح الجسد كله، حيث أنهم لم يتصوروا هذا الدور المحوري للقلب في الجسد إلا بعد اكتشاف هذه الحقائق العلمية مؤخرًا رغم أن القرآن الكريم ذكرها قبل أكثر من أربعة عشر قرناُ من الزمان لذلك قال الله تعالى {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها} (محمد-24) أي أن الله أقفل على قلوبهم وليس عقولهم فلا يعقلون ما أنـزل الله في كتابه من المَوَاعِظْ والعِبَر والعِلْم.
HashwanO@