التقى نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي، اليوم، نظيره وزير الخارجية اليوناني يورجوس يرابيتريتيس، وبحث معه العلاقات االثنائية وسبل تطويرها في مختلف المجالات، وجهود وقف العدوان على غزة وإنهاء الكارثة الإنسانية المتفاقمة التي يسب.
وفي مؤتمر صحافي مشترك عقده الوزيران بعد اللقاء، أكد الصفدي عمق علاقات الشراكة الراسخة المتجذرة بين الأردن واليونان، والحرص المشترك على تطويرها، وإدامة التشاور والعمل المشترك من أجل تعزيز علاقات الشراكة وإيجاد البيئة الإقليمية التي توفر الأمن والسلامة والاستقرار والتنمية والإنجاز لشعوب المنطقة وللبلدين الصديقين.
وشدد الصفدي على أهمية التعاون القائم بين البلدين الصديقين ثنائياً، وفي إطار آلية التعاون الثلاثي بين الأردن واليونان وقبرص والتي يحرص جلالة الملك والقادة في قبرص وفي اليونان على تطويرها بشكل مستمر.
وقال الصفدي “نحن شركاء ونريد تحقيق الأهداف ذاتها؛ نريد تطوير علاقاتنا الثنائية والبناء على هذه الشراكة الراسخة المتجذرة في عقود من العمل المشترك ومن القيم المشتركة ومن الحرص المشترك على أن نخدم مصالح بلدينا وشعبينا، وأيضاً في إطار العمل المشترك من أجل بناء الأمن والسلام والاستقرار في منطقتنا”. وزاد “نحن في جوار واحد؛ ما يحدث في منطقتنا تتأثر به اليونان وما يحدث هنا نتأثر به نحن، وأي تهديد للأمن والاستقرار في أي من منطقتينا هو تهديد مشترك لنا، ومن هنا الحرص على إدامة التشاور وإدامة العمل معاً من أجل تعزيز علاقات الشراكة والتفكير معاً بكيفية إيجاد البيئة الإقليمية التي توفر الأمن والسلامة والاستقرار والتنمية والإنجاز لشعوبنا و لبلدينا”.
وأضاف الصفدي “آلية التعاون الثلاثي بين الأردن وقبرص واليونان هي آلية عملية استطعنا من خلالها أن نحقق إنجازات واضحة في تعزيز التعاون اقتصادياً، وسياحياً، واستثمارياً، وتجارياً، وثقافياً، وأمنياً، ونتطلع إلى المزيد من التعاون وإيجاد مساحات أكبر وأكثر رحابة للبناء على هذه العلاقات”.
وزاد “أتفق مع ما قاله نظيري اليوناني أن العلاقات بين منطقتينا تعود إلى آلاف السنين من الشراكة وهذه العلاقات قائمة على قيم إنسانية، والاحترام المتبادل، وفي التاريخ الحديث أيضاً علاقاتنا قائمة على ضرورة احترام القانون الدولي، واحترام ميثاق الأمم المتحدة، واحترام القيم الإنسانية المشتركة، لكن كل هذه القيم تستباح الآن، نتيجة العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة، ٢٦٤ يوماً من عدوانٍ غاشم دمر مجتمعاً بأكمله، هجر أكثر من ثلثي سكان غزة، وقتل أكثر من ٣٩ ألف شخص، ٧٠٪ منهم أطفال ونساء، ودمر المدارس والمستشفيات، والمساجد، وهذا عدوان غاشم لن يحقق أمناً لإسرائيل ولن يحقق سلاماً في المنطقة لأن إسرائيل لن تحصل على الأمن ما لم يحصل الفلسطينيون أيضاً على الأمن والسلام”. وأكد أن “الطريق إلى ذلك هو حل الدولتين الذي يجسد الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس المحتلة على خطوط الرابع من حزيران ١٩٦٧ لتعيش بأمن وسلام إلى جانب إسرائيل”.
وأضاف الصفدي “هذه الحرب يجب أن تتوقف، وما تقوم به إسرائيل من قتل للأطفال، ومن تدميرٍ للمدارس، وتدمير للقانون الدولي، ولصدقية كل مؤسسات العمل الدولي هو ضرر وجريمة يجب أن تتوقف”. وأشار إلى أن الوضع الإنساني يزداد كارثيةً، حيث صدر تقرير التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي بالأمس وأظهر أن ٩٦٪ من سكان غزة يعانون أوضاعاً لا يمكن القبول بها إنسانياً، وإلى أن الأمم المتحدة ومنظماتها غير قادرة على توزيع الغذاء والدواء.
وقال “إسرائيل لا تمنع وصول الغذاء والدواء والماء والخدمات إلى غزة فقط، لكنها أيضاً تمنع المنظمات الأممية من إيصال هذا القليل من المساعدات إلى محتاجيها في غزة”. وشدد “هذه الحرب يجب أن تتوقف، استمرارها يظهر عجزاً معيباً في مؤسسات العمل الدولي المشترك، وفي قدرتنا مجتمعين على وقف جرائم حرب أثبتت كل التقارير التي صدرت من منظمات مستقلة أنها جرائم حرب تخرق القانون الدولي، وإسرائيل الآن أصبحت دولة مارقة وضعت على القائمة السوداء للدول التي تقتل وتنتهك حقوق الأطفال، ومحكمة العدل الدولية تطالبها بوقف حربها، وبوقف الإجراءات التي تخرق من القانون الدولي”.
وزاد “تنظر محكمة العدل الدولية الآن في قضية احتمال أن تكون إسرائيل ارتكبت جرائم الإبادة الجماعية، كل هذا يقول بأنه لا يمكن السكوت على ما يجري، ونحن في الأردن وفي المنطقة العربية، بالتأكيد كلنا نريد السلام العادل والشامل، لكننا كلنا نؤمن أن طريق هذا السلام هو ما توافقنا عليه في اليونان وفي الاتحاد الأوروبي وحتى في الولايات المتحدة أن طريقه هو حل الدولتين، لكن إسرائيل تقوض هذا الحل”.
وقال “هنالك شريك للسلام في العالم العربي، لكن الحقيقة أن لا شريكاً إسرائيلياً للسلام، والآن نحن نتعامل مع حكومة هي الأكثر تطرفاً، مستمرة في عدوانها على غزة، وفي استخدام التجويع سلاحاً، وفي تدمير البنية التحتية في غزة، وهنالك أيضاً حرب أخرى تشنها إسرائيل في الضفة الغربية، حيث يستمر الاستيطان، ويستمر إرهاب المستوطنين ضد الفلسطينيين، حيث الاعتداءات على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية”.
وأضاف “ذكرت معالي الوزير دور الأردن في حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية انطلاقاً من الوصاية الهاشمية التاريخية على هذه المقدسات، ونرى ماذا يجري ضد هذه المقدسات، من ليس فقط اعتداء على المقدسات الإسلامية، ولكن أيضاً على المقدسات المسيحية، وعلى رجال الدين، ومصادرة ممتلكات الكنائس بما فيها الكنيسة الأرثوذكسية، وكل هذه خطوات لا شرعية تدفع الضفة الغربية باتجاه التفجر، وإذا تفجرت الأوضاع في الضفة الغربية، فنحن أمام كارثة أكبر من الكارثة التي نراها”.
وزاد “خطر توسع الصراع إقليمياً يتفاقم يوم بعد يوم مع ما نراه من تصعيد ضد لبنان أيضاً، وعلى الحدود الإسرائيلية اللبنانية، وكل هذا يدفع الجميع باتجاه اتخاذ تحركات فورية، ونحن مستعدون في العالم العربي لأن نتحرك فوراً، وقدمنا رؤية عربية مشتركة لمجموعة من الدول العربية ترتكز إلى القيم والمبادئ والثوابت التي نؤمن بها جميعاً، تبدأ بوقف العدوان، وتمر بتلبية الاحتياجات الإنسانية لغزة، وإعادة إعمارها، وتوقف الإجراءات اللاشرعية التي تقوض حل الدولتين وتقتل فرص تحقيق السلام، وتنتهي بإقامة الدولة الفلسطينية لتعيش بأمن وسلام إلى جانب إسرائيل”.
وأكد الصفدي “نحن مستعدون، ونتطلع إلى اليونان وإلى أوروبا والاتحاد الأوروبي بشكل خاص، شريكاً أساسياً في هذا الجهد، وننتظر من الاتحاد الأوروبي أن تتشكل لجنة الاتصال وفريق العمل الذي كنا اتفقنا عليه حين التقينا عدداً من الدول العربية والاتحاد الأوروبي في بروكسل، لنبدأ بتنفيذ خطة لتحقيق السلام”. وشدد “لا يمكن أن يسمح لنتنياهو ولوزرائه المتطرفين بالمزيد من الإجراءات التي ترهن مستقبل المنطقة كلها للدمار، ويجب فرض السلام، لأن هذه الحكومة الإسرائيلية لا تريد السلام، ونحن نريد أن نعمل معاً، ولا يمكن السماح باستمرار الوضع الكارثي الذي نراه ويتفاقم يومياً في غزة، ولا يمكن السماح باستمرار الإجراءات التي تهدد بتفجر الأوضاع في الضفة الغربية، وتهدد بتفجر الصراع في لبنان، ولا يمكن السماح باستمرار خرق القانون الدولي، وارتكاب جرائم الحرب دون تحرك دولي فاعل لوقفها، لأن ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة وفي الضفة الغربية ليس فقط الفلسطينيون الذين يشردون ويفقدون أملهم وحياتهم ومدارسهم، لكن صدقية القانون الدولي ومكانة شركائنا في أوروبا وفي الولايات المتحدة وغيرها هي ضحية أخرى لهذا الراهن المعيق، وهذا أمر يجب أن نتحرك بشكل فوري لوقفه”.
من جانبه، أعرب وزير الخارجية اليوناني يورجوس يرابيتريتيس عن تقدير بلاده اللامحدود لموقف الأردن في حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، بشكل فعال ونشط، وفي حماية التعددية الثقافية والتسامح الديني في منطقة حساسة جداً.
وقال “الأردن تأثر بشكل أساسي وكبير بسبب الأزمات الإقليمية المتكررة، والأردن يستضيف ملايين اللاجئين الفلسطينيين في أراضيه ويقدم بكل كرم وشهامة ملاذاً آمناً لهم”.
وأضاف يرابيتريتيس “الأردن وفي هذه الأوضاع الفاجعة في الشرق الأوسط يعمل بانتظام والتزام واعتدال لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة وتقديم المساعدات الإنسانية لغزة، وكانت أهم مبادرة أخيرة تم القيام بها هي تنظيم مؤتمر دولي مع مصر والأمين العام للأمم المتحدة لإرسال مساعدات إنسانية عاجلة لغزة”.
وفي إجابة على سؤال حول وقف إطلاق النار والسلام في المنطقة، وخطة الرئيس الأميركي جو بايدن، وحول مشاركة عربية في غزة بعد الحرب أو خلالها، قال الصفدي “وقف إطلاق النار هو مطلب دائم لنا ولشركائنا في المجتمع الدولي، وبالتالي ندعم كل جهد يستهدف التوصل إلى اتفاق تبادل للوصول إلى وقف إطلاق النار، ونثمن الجهود التي تقوم بها جمهورية مصر العربية ودولة قطر والولايات المتحدة الأميركية من أجل التوصل لهذه الصفقة، لكن كلنا سمعنا ما قاله رئيس الوزراء الإسرائيلي قبل يومين بأنه لا يريد وقفاً لإطلاق النار، ويريد هدنة آنية يواصل الحرب بعدها، وهذا يتناقض مع روح المبادرة التي قدمها الرئيس بايدن”.
وأضاف “ندعو الأطراف كلها إلى العمل من أجل التوصل إلى صفقة عادلة تضمن وقفاً دائماً لإطلاق النار، وتطلق جميع الأسرى والمحتجزين الإسرائيليين والفلسطينيين، لتكون خطوة في اتجاه البدء بوقف الكارثة الإنسانية التي يفرضها العدوان على غزة”.
وفيما يتعلق بما بعد الحرب، قال الصفدي “لن ننظف وراء نتنياهو، ولن نرسل قوات إلى غزة لتكون بديلاً عن قوات الاحتلال الإسرائيلي ولن نتعامل مع الواقع الكارثي الذي أوجده نتنياهو وحكومته، وأوجده هذا العدوان”. وأكد “نريد خطة شاملة ليس فقط لوقف الحرب ولكن للتوصل للسلام العادل والشامل والدائم على أساس حل الدولتين، وهذا يعني أساساً أنه لا يمكن قبول أي مقاربة تتعامل مع غزة بشكل منفصل عن باقي الأراضي الفلسطينية المحتلة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية”.
وفي سؤال حول المبادرات التي تهدف إلى إيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة، قال الصفدي “استضاف جلالة الملك قبل أيام مؤتمر الاستجابة الإنسانية الطارئة لغزة بتنظيم مشترك مع فخامة الرئيس السيسي رئيس جمهورية مصر العربية وأمين عام الأمم المتحدة، وفي ذلك المؤتمر كان هنالك تقييم حقيقي من قبل المنظمات الأممية بشكل كبير للتحديات التي تحول دون وصول المساعدات، وهذه التحديات متعددة؛ الأولى هي منع إسرائيل دخول قوافل المساعدات بشكل كاف من خلال تعقيدات كثيرة، وهنالك ما يسمى بقوائم المواد ذات الاستخدام المزدوج التي تستخدمها إسرائيل ذريعة لمنع وصول حاجات أساسية للغزيين، والثانية يجب فتح كل المعابر البرية أمام دخول المساعدات وهذا لم يجري حتى الآن، ونحن في المملكة تعاملنا مع ذلك الواقع عبر إنزالات جوية وأنزلنا عديد أطنان من المساعدات بالتعاون مع شركاء لنا بما فيهم اليونان من أجل تلبية احتياجات الناس، لكن كما قال جلالة الملك هذا لا يلبي الحد الأدنى، فالخطوة الأولى هي فتح جميع المعابر أمام إدخال المساعدات وإزالة كل المعيقات أمام دخول هذه المساعدات، والخطوة الثانية ضمان إيصال هذه المساعدات إلى محتاجيها في غزة، وهذا غير متوفر”.
وأشار الصفدي إلى تقارير الأمم المتحدة خلال اليومين الماضيين، وقال “الأمم المتحدة غير قادرة على إيصال المساعدات لأنها مستهدفة لأن ظروف الحماية التي تحتاجها هذه المنظمات غير متوفرة من قبل إسرائيل، بل على العكس رأينا عديد من قوافل المساعدات الأممية تستهدف في غزة، وعدد موظفي وعاملي الإغاثة الإنسانية في غزة الذين قتلتهم إسرائيل تجاوز ال ٢٠٠ حوالي ١٩٣ منهم من الأنروا، فبالتالي حتى تصل المساعدات يجب إزالة المعوقات التي تحول دونها وهذه تكمن في فتح المعابر وإدخال ما يكفي من المساعدات، وتمكين منظمات الأمم المتحدة من القيام بواجبها بحرية دون خطر القصف أو القتل”.
وزاد “ثمة خطر جديد تتحمل إسرائيل مسؤوليته أيضاً الآن وهو انهيار النظام في غزة، وإسرائيل بصفتها القوة القائمة بالاحتلال هي مسؤولة مسؤولية مطلقة عن كل طفل فلسطيني يموت جوعاً، أو أمًّا تموت لغياب الدواء، أو عائلة تفقد حياتها نتيجة عدم وجود مستشفيات لها، فإسرائيل هي القوة القائمة بالاحتلال وهي التي تحول دون إيصال المساعدات، والخطوات المطلوبة منها واضحة قالتها منظمات الأمم المتحدة العاملة في الميدان لكن للأسف لم تنفذ هذه الخطوات حتى الآن”.
وفي تعقيب على سؤال، قال الصفدي “خطر توسع الحرب حقيقي ويتزايد، والسبيل الوحيد للحؤول دونه هو وقف العدوان على غزة، ووقف التصعيد ضد الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية، والتوصل لوقف دائم لإطلاق النار و احترام القانون الدولي، واحترام ميثاق الأمم المتحدة، وإطلاق خطة عمل ذات هدف محدد، وهو حل الدولتين، وذات تواقيت واضحة لحل الصراع من جذوره”.