مقالات

“إتقان العمل في الإسلام” بقلم: خالد عمر حشوان

إتقان العمل يعني أداء العمل كما يحبه الله ويرضى عنه رسوله -صلى الله عليه وآلة وسلم-، دون أي خلل أو تقصير وباحترافية عالية مع الإلتزام بمتطلبات ذلك العمل وتقنياته في الأداء، وإنجازه بإحكام وجودة عالية في الوقت المحدد مسبقًا والتميز فيه.

وأُحب بداية أن أركز في هذا الموضوع على ثلاث نقاط جوهرية كي نوضح أهمية إتقان العمل في الإسلام باختصار:

-الأولى: هي أن الإتقان صفة من صفات الرحمن عز وجل:
يقول الله عز وجل في سورة النمل: ” صنع الله الذي أتقن كل شيء، إنه خبير بما تفعلون ” الآية 88. وهي صفة جعلها الله تقترن بصفاته العظيمة ومنها الإحسان أي الإتقان في كل شيء خلقه فأحسن وجوده وأبدع في صنعه، ويحب الله أن يرى هذه الصفة في عباده المسلمين لما لها من أثر فعّال في صلاح الفرد والمجتمع في الإسلام وإعمار الأرض، فسبحان الخلاق العظيم.

-الثانية: وجوب الإتقان في الإسلام:
لقد حث ديننا الحنيف الفرد المسلم على الإتقان في أداء جميع أعماله التعبدية والسلوكية وأدائها بطريقة إحترافية عالية الجودة تؤدي في نهاية المطاف إلى الوصول إلى حب الله ورسوله كما في الحديث الشريف للرسول -صلى الله عليه وآلة وسلم- حين قال: ” إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه” رواه الألباني – صحيح الجامع. فمن منا لا يرغب في أن يصل إلى مرتبة حب الله ورسوله بسبب الإتقان في أي عمل يعمله.

-الثالثة: أهمية إتقان العمل:
إتقان العمل هو أحد أركان الحضارة الإنسانية وعمران الأرض وتطور المجتمعات، فإذا أتقن الفرد المسلم عمله أثر ذلك على المجتمع تأثيرًا إيجابيًا، وتدرب جميع أفراد المجتمع على الأمانة والوفاء والإلتزام والتفاني في العمل، وكان ذلك سببًا في نهضة الأمة الإسلامية ونجاحها وعلو شأنها وتميزها بين الأمم في الدنيا قبل الآخرة، لذلك فالإتقان هو هدف تربوي في الإسلام لأن يكون جزءًا من سلوك الفرد في المجتمع مبنيًا على مراقبة الله في أداء العمل وإتقانه بالشكل الذي يرضي الله ورسوله أولاً ثم المجتمع.

إذًا، توصلنا إلى أن الإتقان في العمل يؤدي إلى استشعار مراقبة الله تعالى في أداء العمل بإخلاص وتقوى الله المؤدية إلى حُب الله ورسوله، ويمكن القول بأن الإنسان الذي لا يتقن عمله إلا في حالة وجود مسؤول أو مراقب لعمله، تكون لديه مشكلة تربوية وإخلاصٌ مخفي في ضميره ولابد أن يراجع نفسه ويستشعر هذا الخلل والنقص في أدائه.

وأسرد لكم هذه القصة القصيرة التي قرأتها منذ فترة طويلة وهي باختصار أن هناك نجارًا تقدم به العمر وطلب من صاحب العمل إحالته إلى التقاعد، فرفض صاحب العمل طلب النجار وبعد إصرار من النجار، طلب منه صاحب العمل بناء منزل أخير ثم يحال بعـده النجار إلى التقاعد.

وافق النجار على ذلك وبدأ العمل دون أن يحسن صنعه، باستخدام مواد رديئة الصنع وأسرع في إنهاء المنزل دون الجودة المطلوبة منه بهدف تسليم المنزل بأسرع وقت ممكن للحصول على فرصة التقاعد، وبالفعل تم تسليم المنزل لصاحب العمل الذي قال له: شكرًا، كانت هذه هي هديتي لك نظير عملك في المؤسسة طيلة السنوات الماضية، ولو علم النجار أنه يبني منزلاً له لما توانى في الإخلاص والإتقان في بناء هذا المنزل بما يرضي الله ورسوله.

أذكر أنني عندما بدأت أول عملٍ لي، عملت مع رجل كبير في السن وحكيم وقال لي: يابني إذا قمت بأداء عملك كما هو دون وضع بصمتك الإحترافية فأنت مثل أي جهاز آلي يؤدي دوره، ولكن إذا كنت مميزًا في أداء عملك وتم وضع بصمتك المتقنة فيه، سوف يذكرك الكل بالخير والثناء على هذه البصمة المميزة ويرضى الله ورسوله عنك. يقول الله تعالى في سورة التوبة: ” وقل إعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ” ( الآية ١٠٥ ).

وأختم مقالي بهذه الرسالة المختصرة: أن العمل بإتقان وإخلاص هو الأمانة بعينها، ففيه الفوز في الدنيا قبل الآخرة وأنبل الخصال، وأفضل ما يمكن أن يناله المرء من ثقة، وإعجاب وشرف في الدنيا والآخرة وحب الله ورسوله أولاً وآخرًا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى