إن الهدف الأسمى من كل الشرائع السماوية هو الخلق؛ لأنها أساساً تستقيم به الأمم؛ فبعث النبي صل الله عليه وسلم لذلك الهدف وجاء في قوله: “عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الأخلاق “(البخاري، رقم الحديث207/273، ص118). فتعد الأخلاق غاية عظيمة في الشريعة الإسلامية فتتصل بها في كل جانب من جوانب الفرد المسلم فلا تنقطع عنه، ومن ذلك سألت السيد عائشة رضي الله عنها ذات يوماً عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم وجاء ذلك في صحيح مسلم “فَقُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْبِئِينِي عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: «أَلَسْتَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟» قُلْتُ: بَلَى، قَالَتْ: «فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ الْقُرْآنَ» (مسلم، رقم الحديث ج1، ص512)، وأعظم صفة وصفها الله عزوجل للنبي صل الله عليه وسلم ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [سورة القلم:4].
ومن ذلك قام النبي صل الله عليه وسلم بتربية أصحابه وأهل بيته وكل صغير وكبير على الأخلاق الحميدة وشيم الرفيعة وتشكل في ذلكبأفعاله وأقواله فكان أنموذجاً وقدوة ممن جاء من بعده.
فبعد استقرار الأيمان أعظم ما يتحلى به المسلم بعده هو التحليبالأخلاق الفاضلة والتعلق بآدابها والالتزام بسلوكياتها، فهي تجمل العقائد والعبادات والمعاملات بحيث تزيد قدراً من الجمال والبهاء،فالأخلاق تأتي بعد الشهادتين والصلاة، والدين والعبادات والمعاملات، فجميعها قائمة على الأخلاق بعد تقوى الله عزوجل. (أهل الله، د.ت، ص7-6).
فالأخلاق تعليل للرسالة المحمدية بتقويم الأخلاق وإشاعة مكارمه،وتعريف الدين الإسلامي بأجمل حلته، فترجح كفة الحسنات يوم الحساب بحسن الخلق، وفيها يتفاضل المؤمنون في إيمانهم بأحسنهم خلقاً، ويتفاوتون الناس بقرب النبي صل الله عليه وسلم في الجنةبأحاسنهم خلقي. (جامعة المدينة العالمية، ج1، ص99-98).
فالأخلاق في الإسلام أنما جاءت لمصلحة الأفراد والمجتمع،فبالأخلاق تطمئن النفوس وتأنس الأرواح ويشيع الحب والمودة والترابط والتعاون المجتمعي بين أفراده. (الحجاجي، ص4). فهي تربي النفس وتكبح جماحها عن كل ما ينافي الشريعة الإسلامية، فمن هنا برزت أهمية التربية الخلقية في حياة المسلم، فكانت ضرورية لكي يتحقق التماسك والتجانس الاجتماعي، و بالتالي تتحقق روابط القوة المجتمعية بين أطرافه، كما إن التربية الخلقية وسيلة خيره للقضاء على مشكلات التي قد يواجها المجتمع من الجرائم، والانحرافات بأشكالها وألوانها، كما أنها غاية لنشر السعادة؛ لأن الشقاء والتعاسة تنشئ نتيجة الشرور وانتشار الانحرافات والخرافات بين افرادها، فهي تربية خلقية تزيل كل الفتن بين أطياف المجتمع، وتربي أبناءها على فعل الخيرات والاستباق فيها، كما انها تنظم الحياة السياسية للدولة فتجعل بنيانها قوية وبالتالي نشر العدالة والمساواة بين مواطنيهم، كما أنها تحمي الأجيال التالية من الفساد فهي تعمل على صيانة نشئ من تسرب الأخلاق الذميمة في نفوسهم، كما نها تعمل على خلع جذور الشرور وتزكية والنفس وتعمل على بناء جدار حصين ضد الإصابة من الأمراض الأخلاقية حتى اذا وقع فيها لا يتأثرون بفسادها(يالجن،1417ه،ص6).
فحقيقة التربية الأخلاقية في الإسلام، تكوين فرداً متكاملاً بحيث يكون مفتاحاً للخير ومغلاقاً للشر في كل الظروف والأحوال، لقوله تعالى ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ [سورة الحزاب:33].
فكل القواعد والمبادئ في الدين الإسلامي أنما جاءت من الوحي،لتنظيم حياة البشرية من التخبط والانحراف على الطريق المستقيم،فكانت التربية الخلقية كدرع الحصين عن كل آفة، فلا تتبدل ولا تتغيرمع زمان، فكل نبي بعث لكِ ينشر الفضائل ويبعد رذائل الجهل والقمع،فبالأخلاق تسمو حياة البشرية عبر القرون.
المراجع
– أهل الله، أنور بن أهل الله بن أنوار الله. (د.ت). مكارم الأخلاق لمن أراد الخلاق.
– البخاري، محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة. (1418ه).صحيح الأدب المفرد للإمام البخاري، المحقق: محمد ناصر الدين الألباني، ط4، دار الصديق للنشر والتوزيع.
– الحجاجي، حسن علي. (1423ه). التربية الأخلاقية، سلسلة التربية الإسلامية (7)، وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، مكة.
– خطاطبه، عدنان مصطفى. (1433ه شوال). مرتكزات التربية الأخلاقية للداعية المسلم في ظل الواقع المعاصر، مجلة الدراسات الإسلامية، ج25، العدد (1).
– النيسابوري، مسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري. (د.ت). المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، المحقق: محمد فؤاد عبد الباقي، ج1، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب جامع صلاة الليل ومن نام عنه أو مرضه، دار إحياء التراث العربي –بيروت.
– مناهج جامعة المدينة العالمية. (د.ت). أصول الدعوة، ج1، جامعة المدينة العالمية.
– يالجن، مقداد(1417ه). التربية الأخلاق الإسلامية، موسوعة الأخلاق الإسلامية (2)، ط2، دار عالم الكتب والطباعة والنشر والتوزيع.