مقال بعنوان : نصف قرن وهذا هو الحال ! بقلم فاضل المزروعي
نواصل تسليط الضوء على حال رياضتنا بالسلطنة وكرة القدم بالتحديد لنسبر بواطنها ونفند أوجاعها ، خصوصا تلك التي بدأت تطفح وشكلت مشكلة أو أزمة تعاني منها منذ سنوات وعجزت عن حلها بل وتفاقمت حتى بدأ عدد من الأندية بالإستسلام ورمي المنديل الأبيض .
رغم أن كرة القدم مورست في بدايات القرن العشرين إلا أنها وصلتنا في أربعينيات القرن من خلال البوارج الحربية الهندية والبريطانية التي أقامت بعض المباريات الودية مع فرق مسقط ومطرح أنذاك ، وشخصيا حضرت أحد تلك المباريات في الملعب الترابي بنادي عمان بمسقط سابقا ، ولا زلت أتذكر لاعبا أسمر البشرة كان ضمن الفريق الضيف فأخذت الجماهير تصيح عليه وتناديه (بيليه) وكم كانت سعادتنا غامرة بأن نشاهد بيليه الذي كان إسمه يتردد على ألسن آخواننا وجيراننا الذين يكبروننا سنا، وعلق الإسم والصورة سنوات حتى أدركنا الحقيقة لاحقا بأن اللاعب ليس بيليه فهو يشبه بلون البشرة.
منذ مطلع السبعينيات ومع عودة الطيور المهاجرة إلى الخليج ومصر بدأت تتشكل الأندية ثم المسابقات الرسمية بإنطلاق كأس صاحب الجلالة وبعدها بسنة إنطلق أول دوري رسمي بالسلطنة بهيئة دوري المناطق.
كرة القدم في السلطنة كانت تمارس قبل تلك الفترة في عدد من محافظاتها لكنها كانت على شكل فرق أهلية وغير منظمة أو معلنة رسميا .
إذا لنقل من الستينيات ونحن نمارس هذه اللعبة التي إنتشرت بسرعة في أرجاء السلطنة ويمارسها الصغير والكبير وحتى العنصر النسائي إلتحق بالركب مؤخرا ، وعشقها الجميع وهذا أمر طبيعي لأن كرة القدم لا تعلو عليها أي رياضة أخرى في العالم ، فهي رياضة كل الطبقات في جميع المجتمعات.
منذ أكثر من نصف قرن وكرتنا في تطور ، لكنه للأسف تطور بطيء وضعيف جدا ، رغم الجهود الكبيرة التي بذلتها الحكومة في تهيأة الأندية ثم المجمعات وتحسين البنى الأساسية للرياضة ، كما لم تبخل الحكومة من آن لآخر في تقديم مكرمات ومساعدات لإعانة الأندية على التكيف بما يحدث من تطور حولنا .
وكانت مسابقات كرة القدم تسير بهدوء وتعمل بمبدأ ” مد رجلك على قد لحافك” ،وكان وقتها تلعب بملاعب ترابية وبعدها معشبة ، وكانت الملاعب في بدايات ممارسة اللعبة تكتض بالجماهير التي تتشبث بأسياج الملعب وتتسمر حوله وأخرى تفترش الأرض فوق تلة تناظر ما يحدث من مسافة تكاد لا تسعفها على رؤية الكرة، لكنها سعيدة بمشاركتها للحدث الذي تأخذ به للتسامر مع أقرانها في المساء خصوصا أولئك القادمون من الضواحي والقرى والأرياف.
نسير ببطء ولكن غيرنا يجري ، والمسافة تتسع بيننا وبينهم وكان لابد من تضييق الفارق ولو بالقليل .
كانت فكرة تطبيق الإحتراف تتداول بين أروقة الإدارات التي تعاقبت على الإتحاد وتم تدارسه من جميع النواحي ،وفي عام ٢٠١٣ تجرأ اتحاد كرة القدم وقرر إطلاق دوري المحترفين بعد أن إستشار وتنور بعدد من أهل الخبرة السابقين وجلب خبيرا للرابطة سبق له العمل في إحدى الدوريات المحترفة الناشئة بالمنطقة وأضاء الإشارة الخضراء.
ترى ما الذي حدث بعد إعلان دوري المحترفين العماني وتشكيل رابطة خاصة له لتشرف على تنظيمه وإزاحة لجنة المسابقات أو تحديد مهامها؟
إنطلق دوري المحترمين بين متحمس من جهة ومتخوف من جهة أخرى ، ولم يطول الحال حتى بدأت الشكاوى والتذمر تظهر ،فدوري المحترفين بالشكل الذي إنطلق به كان من الأفضل أن يطلق عليه دوري شبه محترف ، لأن عناصر الإحتراف الحقيقي والكامل غير متوافرة، فاللاعبون غير مفرغين وكذلك الأجهزة الفنية والإدارية الوطنية ، فاللاعب والإداري والحكم وأخصائي العلاج كلهم موظفون حكوميون أوبالقطاع الخاص ، فأين الإحتراف في الأمر ؟
لا ننكر بأن الصورة النمطية للدوري تغيرت وظهرت بأناقة أفضل عن السابق ، أصبحت تملك مدير كرة ومنسق إعلامي وإقامة مؤتمرات صحفية وسنت بعض النظم والقوانين واللوائح المنظمة للمسابقة .
إذا ما المشكلة ، وماهي السلبيات ؟
لعل أبرز المشاكل التي وأدت دوري المحترفين بعد مواسم من إنطلاقه وإسقاط مسمى ( المحترفين ) والبقاء على مسمى الدوري العماني ، هي القفزة التي حدثت في مصاريف الأندية والتي بلغت إلى ثلاثة أضعاف أو أكثر عما
كانت عليه قبل إطلاق دوري المحترفين.
فاللاعبون مجرد أن تم الإعلان عن الإحتراف بدأت مطالباتهم بالتعامل معهم كمحترفين واللعب بعقود وبعقود مرتفعة ،وظهر المبارزة والتسابق بين الأندية على لاعبي المنتخبات الوطنية وعلى أبرز اللاعبين المحليين وأبرمت صفقات بعشرات الآلاف وكان ذلك لدى الغالبية ، وبعد مواسم عدة بدأت الأندية تشتكي من قلة الحيلة وأنقسمت إلى قسمين الأول مقتدر والثاني ضعيف ، وبدأت الصفقات تميل إلى القسم الأول ، لكن الحال لم يدم فطالبت الأندية وضع ضوابط وتحديد سقف للأجور والعقود فشكل اتحاد القدم لجنة لايجاد جدول وسقف للعقود يرضي الطرفين الأندية واللاعبين، لكن للأسف لم تلتزم الأندية بذلك ، فأصبحت تتعاقد كما يقال من تحت الطاولة وتقدم للاتحاد عقود صورية.
هذا الحال لم يصحح المسار والمشكلة تتفاقم والأندية تئن من وقع المصاريف حتى حانت ساعة الإستسلام بإعلان تجميد أنشطة الفريق الكروي وآخرى لوحت بالتجميد .
ترى بعد أن وصلت الأندية لهذه الحالة وهي سبب نفسها بنفسها بسبب التعاقدات الغير المدروسة والغير الممنهجة ، وبسبب الأهداف القصيرة والمؤقتة أٌثقل كاهلها وعادت لاتقوى على المسير؟ .
إن قلة الحوافز وشح الموارد ، وغياب الدعم والإستثمار وتأمين دخل ثابت عند غالبية الأندية جعل الحال يصل بها على ما آل إليه حاليا .
فرق نأت بنفسها منذ فترة فلا حس ولاخبر، وأندية أبوابها مؤصدة ، وأخرى تمارس نشاطات متواضعة ، وأندية تشارك لكنها تعاني، والقلة القليلة من هي مستقرة .
الخلاصة.. كرة القدم في السلطنة لاهي تمشي كالهدهد ولاهي تمشي كالطاؤوس !