سيداتي وسادتي اكتب وكلي ايمان ويقين وثقة في كل حرف وكلمة أكتبها في زمن ساد فيه الكذب والرياء على مصداقية الأحداث ، انها ليست تجربتي وحدي بل إنها تجربة جيل بأسره، جيل مسكين عاش مخدوع منذ الصغر بالشعارات السياسية والفكريّة البراقة، ولم يكتشف هذه الخديعة إلا بعد فوات الاوان وهو يكبر على صرخات الأطفال وأوجاع أمة عربية أنهكتها الحروب ومزقتها الصراعات ،لقد ضاعت منا سنين طويلة ونحن نؤمن بشعارات كاذبة وحروب اعتقدنا انها كانت حق علينا خوضها وتقديم الشهداء فداءاً لها، والان بعد ان كشفت الحقيقة وأزاحت الستار عن وجه الكذبة العميقة أصبحنا ندرك ما ضاع منا، ولكننا في نفس الوقت نعجز فيها عن البكاء او حتى الضحك، مصابين بمرض “التخميد العاطفي” وهي حالة تُعرَّف علميا على أنها شعور بالخدر تجاه المشاعر الإيجابية والسلبية على حدٍّ سواء، مع وجود استجابة عاطفية محدودة أو صامتة للأحداث.
إنها فاجعة كبرى وفترة مظلمة من حياة العرب في العصر الحديث .
أنه زمن المتاجرة بشعارات الدين والوطنية، الشعارات الكاذبة التي انطلت على عقولنا ، خدر هذه الوطنية العابرة ، فالأوطان نوعان اوطان مزورة يستحوذ عليها الأوغاد لاتمنح لمواطنيها سوى القهر والذل ومدنها وقراها لها صفات القبور والسجون ، وأوطان حقيقية يسكنها الاحرار .
لم أشعر بهذا الكم الهائل من الوضوح في رؤية الحقيقة إلا عندما عشت هذه التجربة المرة والقاسية مع الحياة في الوطن العربي وتطور شبكات التواصل الاجتماعي التي سارعت في نقل الخبر بسرعة البرق قبل التلفاز ، هذا العالم الافتراضي الواسع الذي نقل الصورة البشعة لواقعنا وحقيقة أخلاقنا ومبادئنا وأستعرض مشاكلنا التي كانت مختبئة خلف الابواب والأسوار الحديدية .
لقد آمنتم بأوهام وخُدعتم بصورة وكلمات وصفقتم للأوغاد ومازلنا نخدع ولم نحقق شيئا إلا مزيداً من الفاسدين، فما الفائدة من أن تكون قادراً على كتابة اي شيء في هذا العالم، ولست قادراً على تغيير اي شيء في هذا العالم .
لقد أصبحنا عاجزين عن معرفة من هم الأبطال ومن هم الأوغاد، كيف يمكن للمرء أن يفكر بالحرب او السلم وهو جائع ، نحن ضحايا الحروب والصراعات والنزاعات السياسية، لا ذنب لنا سوى اننا ولدنا هنا وهناك، كل ما اعرفه نحن لم نلطخ أيدينا بالدماء ولم نقتل الأبرياء بل نحن قتلنا على أيدي من قادونا إلى الهلاك .