وكالات – العربي
حدد العلماء الوصفة العطرية التي حافظت على رفات نبيلة مصرية تم تحنيطها عام 1450 قبل الميلاد، معيدين بذلك تركيب “رائحة الخلود”.
وأتاح التقدم في تكنولوجيا التحليل الكيميائي إعادة تكوين رائحة سائل التحنيط المستخدم لحفظ بقايا مومياء من وادي الملوك حتى تتمكن من العيش إلى الأبد في الحياة الآخرة.
ويسلط العطر الضوء على براعة المصريين منذ ما يقارب 3500 عام في حماية أعضاء سينيتناي، وهي من السيدات المعروفات باسم “حلية الملك” (لقب مصري قديم مختص بالسيدات ذوات المركز الرفيع) باعتبارها عضوا رئيسيا في “حاشية” الفرعون أمنحتب الثاني، بعد أن أرضعته رضاعة طبيعية أثناء طفولته.
وتحتوي رائحة سائل التحنيط على مزيج معقد من المكونات، بما في ذلك روائح شمع العسل الحلوة التي من شأنها أن تحمي من البكتيريا، بالإضافة إلى رائحة مادة الكومارين التي تشبه رائحة الفانيليا، ورائحة راتنجات من أشجار عائلة الصنوبر، وحمض البنزويك (حمض الصمغ) الذي يمكن العثور عليه في العديد من المصادر النباتية بما في ذلك القرفة والقرنفل.
ومع ذلك، فإنه يحمل أيضا رائحة مميزة أقل عطرية تشبه رائحة الطرق الإسفلتية حديثا، حيث استخدم المصريون القدماء الحُمَر، أو البتومين (bitumen) في التحنيط لعزل الأعضاء عن الرطوبة والحشرات.
ومع ندرة النصوص من مصر القديمة التي تكشف عن المكونات الدقيقة المستخدمة في عطور تحنيط الجسد والأعضاء للحفاظ عليها في الحياة الآخرة، استخدم العلماء التحليلات الحديثة لفحص المواد المعنية.
والآن، لم يكشف العلماء الذين يدرسون بقايا البلسم المستخدم في تحنيط السيدة النبيلة سينيتناي، أن العديد من مكوناته جاءت من خارج مصر فحسب، بل قاموا أيضا بإعادة إنتاج العطر.
وكشف العلماء الذين عملوا بشق الأنفس على مكونات سائل التحنيط وساعدوا في إعادة تكوين رائحته على قسائم اختبار العطور الورقية، أن مصر القديمة ربما كانت تمارس التجارة الدولية قبل نحو 1000 عام عما كان يعتقد سابقا.
وكانت هناك أدلة مثيرة، من حبات الفلفل الموجودة في أنف مومياء الفرعون الشهير رمسيس الثاني، على التجارة مع جنوب الهند، حيث أن حبات الفلفل هذه لم تكن متاحة إلا هناك.
والآن، تشير مادة صمغية عطرة تسمى الدمر (أو الراتنج)، والتي يعتقد العلماء أنهم اكتشفوها في سائل التحنيط المستخدم في سينيتناي، إلى أن التجارة الدولية كان من الممكن أن تكون موجودة قبل ذلك بكثير، في وقت وفاتها، أي قبل 250 عاما من وفاة رمسيس الثاني.
ومن المحتمل أن يكون مصدر الدمر من أشجار مجنحية الثمر التي تنمو في جنوب شرق آسيا.
وإذا تم تأكيد وجود الدمر، فهذا يشير إلى أن المصريين القدماء تمكنوا من الوصول إلى جنوب شرق آسيا قبل ألف عام تقريبا مما أشارت إليه الأدلة سابقا.
وقالت باربرا هوبر، التي قادت الدراسة من معهد ماكس بلانك لعلم الأرض الجيولوجية: “تظهر هذه النتائج مدى تقدم عملية التحنيط المصرية القديمة – ولكن إعادة خلق رائحة الخلود هي أيضا مثل آلة الزمن. اعتاد الناس على النظر إلى المومياوات وقراءة أوصاف المتاحف، لكن هذا يساعدهم على تجربة رائحة الماضي فعليا”.
وسيتم عرض الرائحة القديمة في متحف موسجارد في الدنمارك في معرض قادم، ما يسمح للزوار باستنشاق نفحة من عملية التحنيط المصرية القديمة.
وتم إعادة إنشائها من خلال أخذ عينات من جرتين تحتويان على كبد ورئتي سينيتناي، اللتين تم إخراجهما من وادي الملوك الشهير في طيبة (الأقصر الآن)، على يد عالم الآثار هوارد كارتر منذ أكثر من قرن.
وتم تقسيم سائل التحنيط إلى جزيئات فردية باستخدام العمليات العلمية بما في ذلك التحليل اللوني، الذي يقصف المواد بالغازات لفصلها بناء على كيفية تحللها بشكل مختلف إلى أجزاء.
وعمل العلماء بشكل وثيق مع صانعة العطور الفرنسية كارول كالفيز وعالمة المتاحف الحسية صوفيا كوليت إيريش لإعادة تكوين رائحة سائل التحنيط.
ووصف العلماء المكونات الستة المعقدة لسائل التحنيط في مجلة Scientific Reports. وتشير هذه المكونات المعقدة إلى الامتياز الاستثنائي الذي تتمتع به سينيتناي، والذي يظهره أيضا من وجودها في وادي الملوك، وهي مقبرة مخصصة عادة للفراعنة والنبلاء الأقوياء.
وقالت هوبر: “إن رائحة الخلود تمثل أكثر من مجرد رائحة عملية التحنيط. إنها تجسد الأهمية الثقافية والتاريخية والروحية الغنية للممارسات الجنائزية المصرية القديمة”.