جميع الآباء والأمهات بلا شك يحبون أبناءهم ولكن السؤال الأهم والذي نرغب التركيز عليه هو هل حبنا لأبنائنا يكون سلبياً أم إيجابياً؟ وكيف نعرف الفرق بين الحب السلبي والحب الإيجابي؟ ونوجه هذا الحب للناحية الإيجابية بحيث يستفيد الأبناء من هذا الحب في الدنيا قبل الآخرة ويكون لهم وقوداً في حياتهم وطريقاً منيراً لمستقبلهم ويحقق لهم حياة مليئة بالسعادة والنجاح والتميز ونبدأ بالتركيز على أهم النقاط الأساسية لهذا الحب وهي:
- الدين:- فنحن نعلم أن الله ما خلق الجن والإنس إلاِّ ليعبدوه، وهي الرسالة الأولى للحياة ولابد أن يكون حبنا لأبنائنا هدفه عبادة الله في الأرض وتنشئتهم على الدين الإسلامي وتطبيق تعاليمه وترك نواهيه كي يكون حباً إيجابياً وقد أكَّد الله عز وجل ذلك في قوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (التحريم-6)، أما الاهتمام بالمصالح الدنيوية على حساب الدين فهو من الحب السلبي مع أننا لا ننكر الاهتمام بالدنيا مع الدين كما قال الله تعالى {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} (القصص-77).
- الالتزام:- أو ما يسمى بتأسيس الانضباط، ويبدأ بمواقيت الصلاة والدوام الدراسي والواجبات وكافة الأنظمة والقوانين والآداب وحقوق الوالدين والأخوة والجيران وأفراد المجتمع والالتزام بالنظافة الشخصية في المنزل والأماكن العامة والمصروفات الشخصية، ولا نجعل حبنا لأبنائنا يتحول من الحب الإيجابي إلى الحب السلبي بالتساهل والإهمال في كل هذه الالتزامات حيث أن الطفل لو تَعَوَّدَ على أن يكون ملتزماً منذ صغره سيكون ناجحاً ومتميزاً في كبره.
- التدرج في تحمل المسؤولية:- من أفضل الطرق لتحمل المسؤولية أن نبدأ مع الأبناء منذ الصغر بشرط تدرج المسؤولية وتعويدهم الاعتماد على أنفسهم بحيث تبدأ من النظافة الشخصية ثم تنظيم وترتيب ونظافة غرفهم الخاصة ثم المذاكرة وحل الواجبات المدرسية والاهتمام بالمظهر والملبس ثم المساهمة والمشاركة في مسؤوليات الأسرة بالتدريج ثم المجتمع ومساعدة الآخرين كي يصبح الأبناء أعضاء فاعلين، والحقيقة أن الحب السلبي هو أن نجد المبررات من بعض الآباء بأن الأبناء صغار ولا يمكن إلقاء بعض المسؤوليات عليهم في هذا السن، لذلك نجد أن أنجح البشر في الحياة هم من تَحَمَّلُوا المسؤولية منذ الصغر.
- الاحترام:- وهو من الاتجاهات الخُلقية التي يجب غرسها في الأبناء منذ الصغر وتبدأ باحترامهم لأنفسهم والوالدين والجيران والزملاء والمدرسين والممتلكات العامة والخاصة وخصوصيات الآخرين التي لا تتعارض مع استقلال شخصياتهم، وليس حب الذات وإشباع الرغبات والاستهتار وعدم احترام الغير واعتقاد بعض الآباء أنها قوة شخصية في الأبناء ويَسْعَدُونَ بذلك وهنا يَتَمَثَّل الحب السلبي للأبناء في هذه الصفات غير الجيدة.
- دعم الأبناء:- يكون الدعم للأبناء من واقع الحب الإيجابي هو تشجيعهم وتحفيزهم ومساعدتهم بحدودٍ معقولة وشرعية للدعم دون استخدام العلاقات أو غيرها للحصول على ما لا يستحقون، والحرص على استخدام الأساليب الصحيحة والعادلة لمصلحتهم، أما محاولة شراء النجاح والتفوق لهم والدعم بطرق غير شرعية فهو بلا شك يعتبر حُب سلبي للأبناء وضارٌ بمستقبلهم.
- العقاب:- هو أحد أساليب التربية والتقويم الصحيحة وغرس الانضباط في نفوس الأبناء ويعتمد على حجم الخطأ وعمر الأبناء ويكون بقواعد ثابتة وحاسمة متفق عليها لإشعارهم بالخطأ على ألاَّ يتسبب العقاب في الأذى النفسي أو اللفظي الجارح لهم لأن الهدف من العقاب هو تصحيح السلوك، أما التساهل في تطبيق العقوبة على الأبناء والتبرير لهم من واقع حبنا لأبنائنا هنا يتحول هذا الحب من إيجابي إلى سلبي ويساعد على تكرار الأخطاء.
- طموح الآباء:- من الإفراط في حب الأبناء أن يرغب بعض الآباء من أبنائهم التفوق والتميز والحصول على أفضل المراتب مع عدم النظر إلى أن الأبناء لديهم إمكانيات وقدرات مختلفة في التحصيل لذلك لابد من تقدير هذه الإمكانيات وتقبلها، لأنه كلما زاد الآباء في طموحهم لأبنائهم قد يصل إلى حَدَّ الحب السلبي الذي يؤدي إلى البلادة والتقاعس من الأبناء وزيادة التخلف التي تسمى بالمقاومة السلبية من الأبناء ويصبحون الخاسر الأكبر في هذا الحب.
- قرارات الأبناء:- فهي تعتمد على عمر الأبناء بشكل رئيسي فكلما كَبُرَ الأبناء أصبح لديهم رغبات وطموحات وقرارات يرغبون في تحقيقها ونجد أن بعض الآباء يرغبون أن يصبح أبناءهم مثلهم أو أفضل منهم في كل شيء من واقع حبهم لهم، ولكن الواقع أنه حب سلبي واضح، حيث تختلف الأجيال والأزمان ولابد من احترام رغباتهم وطموحاتهم بما يتوافق مع المصلحة الشخصية للأبناء، والحب الإيجابي هو أن يدعم الآباء هذه الرغبة والطموح طالما أنها شرعية بالنصيحة والمشورة والتوجيه السليم وتوضيح إيجابيات وسلبيات قراراتهم بالنقاش المتزن وترك المسؤولية لهم في الاختيار وتحديد مصيرهم بما يتناسب مع ميولهم ورغباتهم.
- القرب من الأبناء:- إن من الحب الإيجابي للأبناء أن يخصص الآباء أوقاتاً يومية لقضائها مع أبنائهم ومعرفة مشاكلهم اليومية ونشاطاتهم وتبادل النقاش والآراء وتوجيه النصائح اليومية ومتابعتهم وإحساسهم بالدفء الأسري، أما ما نسمعه من الآباء الذين يبررون انشغالهم عن أبنائهم بسبب العمل وتوفير حياة مَادِّية كريمة ما هو إلا حب سلبي قد يكون سببا في التفكك الأسري والفراغ العاطفي للأبناء وانحراف سلوكهم.
وأختم بأنواع حب الآباء الإيجابي للأبناء وهي أربعة أنواع ومنها “الحب المادي” الذي يتمثل في التواصل الِحسِّي اليومي باللمس والنظر والقرب منهم والنقاش معهم للشعور بالسعادة والاستمتاع معهم، ويأتي النوع الثاني وهو “الحب المعنوي” الذي هو طاقة في القلب تعكسها الأحاسيس الدافئة ومشاركتهم المشاعر التي تجعل للعلاقة بين الآباء والأبناء عذوبة ومذاقاً خاصاً وحباً إيجابياً مميزاً وتساهم في التفاهم والترابط الأسري، أما النوع الثالث فهو “حب الأبناء غير المشروط” من خلال تشجيعهم على الاستقلالية وتقبلهم كما هم بصفاتهم وميولهم وتحديد هويتهم المستقلة ومراحل تطورها والتعبير عنها واحترامها في حدود العقل والمنطق والدين وهو نوع خاص من الحب يعتمد على التفهم والتفكير والإدراك والتغافل والتجاهل في بعض المواقف، أما النوع الأخير فهو “الحب الفطري” ويتمثل في تقبل أهدافهم وأفكارهم ورؤيتهم الشخصية لأنفسهم وكياناتهم الخاصة وهو حب شامل أساسه الفطرة التي فطر الله الآباء عليها كونه الرباط الروحي المليء بمشاعر الحب والتقدير والحنان والتضحية من أجل الأبناء.
@HashwanO