أعني به تغيير نمط الحياة، فما للإنسان خير في الحياة الرتيبة التي تسقم نفسه بالملالة والسآمة، إن نفس الإنسان فُطرت على حب الجديد في كل شيء، وإن كان هذا الجديدُ شيئاً معاداً من فترة إلى أخرى، ولكن في عودته تغيير للحياة بصورة ما، وكسرٌ لرتابتها، وأظن من هذا القبيل، ترحيب الناس بقدوم شهر رمضان، بما يرافقه من تغير في أوقات الطعام، وعادات المعيشة، ومواعيد العمل، هذا بالإضافة إلى منزلة الشهر الفضيلة.
ثم إذا أتى العيد، حاملاً بأردانه وحواشيه، نَسَمات العبير، ناشرة بَسَمات السرور، كان من فرح الناس به، أن صباحه ويومه، مغاير لما ألفوا طوال السنة من صباحات وأيام، ومما روي من سنة رسول الله، عليه الصلاة والسلام، أنه كان يذهب إلى صلاة العيد من طريق، ويعود من طريق آخر، أليس هذا التغيير، يلمح إلى المعنى الذي نسوق الحديث من أجله؟.
الأهم من تغيير الحياة، أو هو الطريق إلى التغيير المنشود، تغيير ما بعقلك من أفكار، إذ حياتك لن تتغير إلا بتغير أفكارك، والحياة الدنيا شاء لها خالقها أن تتغير، ولا تسير على نسق واحد، على سبيل المثال تغير الطبيعة في شتى الفصول، وانتقالها من حال إلى حال متغيرٍ تغيراً كلياً، من صيف إلى شتاء، ومن ربيع إلى خريف، ومعها ينبغي أن تتغير بالتبعية أفكار الإنسان، وأحوال مزاجه.
الذي أراه في الحياة من فلسفة، أن الشيء الوحيد الذي لا يتغير هو روح الإنسان، بطبيعتها التي عليها من الخفة والظل، وعناصر الفضل والنبل، أو خلاف ذلك، وإن تغير قلب الإنسان وتنقل خلال السنين، من واحة فكر إلى أخرى، القلب الإنساني الذي تتوقد فيه المشاعر حيناً، وتنطفئ حيناً، ويميل ميلاً عظيما، وحيناً يفتر هذا الميل وينحسر، القلب الإنساني الذي يرغب بشيء في حين، ويرغب عنه في حين، فيرواح بين الطماعة والزهادة.
إنه دائم الحركة والتنقل والوثوب، ما بين نشاط وفتور، ورغبة وعزوف، واتقادٍ وخمود، ويا لَغرابة عالم القلوب، ويا عجباً له، ويا ويل الناس من أسرار عالمه، وخفايا شؤونه، التي تحار فيها العقول.
غيّر حياتك، واعتمد على نفسك، ودع ما لا ينفعك، واسعَ وتحرك، وانطلق هنا وهناك، ولا تُدخل أحداً فيما بينك وبين الله من توكل، حتى يصحَّ توكلك على الله، وحتى تكون رجلا حقاً، تنال ما تبغيه بيدك دون وسيط ولا عوين، ودون تعرض لهوان ولا خذلان.
لا تنتظر شيئا من أحد، ولا تطلب شيئاً من أحد، إلا عند العجز، الذي عنده تستغلق الأمور وتسود الجهات، وتذكر نصح رسول الله عليه الصلاة والسلام:(استعن بالله ولا تعجز)، والله أرحم من أن يكلك وحيداً للعجز والضياع، ولكن عدو الإنسان الأكبر الاستعجالُ.
وتذكر أن الله يغار، كما جاء في الحديث النبوي، فكن كذلك غيوراً، (وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرّم الله)، ونحن بفضل الله من المؤمنين به، وهو سبحانه يقول:(فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخساً ولا رهقا).