مسقط – العربي
تحت شعار “تسخير الابتكار لتقليل عبء مرض الملاريا وإنقاذ الأرواح” تشارك سلطنة عمان في الخامس والعشرين من إبريل من كل عام الاحتفال باليوم العالمي للملاريا، إيمانا منها بأهمية مواصلة الاستثمار والعمل الجماعي لدحر هذا المرض.
ويعد الملاريا مرضا معديا يتسبب في حدوثه كائن طفيلي يسمى بلازموديم، و ينتقل المرض عن طريق نوع من البعوض يعرف بأنثى بعوضة الانوفليس.
ووفقًا لتقرير منظمة الصحة العالمية حول الملاريا في العالم لعام 2020، أشارت التقديرات إلى وجود 241 مليون حالة إصابة جديدة بالملاريا و 627000 حالة وفاة ناجمة عن هذا المرض في 85 بلداً. وسُجل أكثر من ثلثي حالات الوفاة في صفوف الأطفال دون سن الخامسة والمقيمين في الإقليم الأفريقي للمنظمة.
لذلك فإن منظمة الصحة العالمية تحث البلدان على سرعة التدخل لمجابهة هذا المرض وتوزيع أدوات الوقاية من الملاريا وعلاجها خصوصا في المناطق الموبوءة مثل جنوب صحراء أفريقيا، حيث أوصت المنظمة في أكتوبر 2021 باستخدام لقاح مضاد للملاريا للأطفال المقيمين في المناطق ذات المعدلات المتوسطة والمرتفعة لانتقال العدوى بالملاريا. وأظهرت بيانات التجارب الأولية أن هذا اللقاح يعد مأمونا وفاعلا في الحد من حالات الملاريا الوخيمة المميتة. ويعد اللقاح المضاد للملاريا مثالاً على الابتكار، وإنجازاً علمياً إذ يمثل أول لقاح يوصى باستخدامه لمكافحة مرض طفيلي بشري.
لقد كانت سلطنة عمان من الدول التي تعاني من توطن مرض الملاريا ، حيث كان يعتبر من أهم المشاكل الصحية التي تهدد المجتمع. وتعد السلطنة من أوائل الأقطار العربية التي تم توثيق المرض بها في عام 1916. واستفحلت المشكلة في سبعينيات القرن الماضي حيث باتت الملاريا تمثل ما نسبته 44-50% من إجمالــي الأمــراض المعديـــة لعــــدة سنـــوات متتاليـــــة (حســب البيانــات الوبائيــة لتـــلك الفــترة)، حــتى أن بعض الإحصائيات في حقبة الستينيات والسبعينيات أشارت إلى إصابة شخص على الأقل بالملاريا من بين كل ثلاثة أشخاص، ما أدى إلى اعتمـــاد نظـــام مكافحـــة الملاريــــا في منتصف السبعينيات غير أنه لــم يـــأت بالنتائـــج المرجــوة فأصبحت الملاريا شديدة التوطن في عمان في الثمانينيات بمعدل يصل إلى 300000 حالة سنوية. واستمــر توطــن المــرض إلى مطلع التسعينيات حيــث شهــدت الفــترة (1987-1990) ارتفـــاعا ملحوظا في أعداد الإصابة بالمرض وكانت حالات الملاريا الشديدة تمثل ما نسبته 94.4 % من إجمالي حالات الملاريا المسجلة (1990).
وفي نهاية عام 1991 تم العمل بنظـام الاستئصال بدلا من نظــام المكافحـــة وذلك كمشــروع تجريبي في المنطقة الشرقية و ارتكز المشروع على الأسس الآتية :-
أ) تعزيــز وحدات المراقبـة من أجل الاكتشاف المبكر لحـالات الملاريـا ومن ثــم علاجهــا علاجا جذريا للقضاء على مصدر العدوى وإيقاف نقل المرض.
ب) مكافحـة البعـوض الناقـل للملاريــا وخفض كثافته للحد الذي لا يسمح بنقـل المرض، مـــن خـــلال التغطيـــة الشاملـــة برش بؤر توالـــد هذا النـــوع مـــن البعـــوض أسبوعيا .
وبعــــــد ظهــور بــــوادر نجــاح التجربـــة تــــم تعميــــم برنامـــج استئصـــال الملاريا تباعـــــا علـــى بقيـــة مناطـــق السلطنة . ويعد إدخال فحص الملاريا في العيادات الخاصة عام 1996 من النقاط الفارقة في البرنامج حيث تم الكشف من خلاله عن أكثر من 70% من الحالات معظمها بين فئات العمالة والتي هي مستهدفة بالقطاع الخاص .
بعد السيطرة على الملاريا في السلطنة تم تسجيل بعض بؤر النقل الثانوي المحدودة للمرض كان آخرها في عام 2012. بعد ذلك توقف نقل المرض محليا تماما لذلك قامت وزارة الصحة بوضع استراتجية مواكبة لتلك المرحلة لضمان عــدم حــدوث نقل محلـــي من الحـــالات الوافدة ومــــن ثـــم عـــدم توطـــن المــــرض مــــرة أخــــرى في السلطنة.
وبعد الاستئصال تمثلت المشكلة في الحالات الوافدة من الخارج و تم تجاوزه عن طريق الاكتشاف المبكر للحالات الوافدة وإخضاعها للعلاج الفوري قبل أن تمثل بؤر لنقل المرض محليا. وقد تم تسجيل أعداد كبيرة من حالات الملاريا وبخاصة “الفلسيبارم” ولكن وجود الإجراءات الاحترازية من حيث التطبيق ودقة نظام التقصي حالت دون وجود حالات نقل محلي للمرض مما يعد نجاحا آخرا. هذا ولم يسجل أي نقل محلي للمرض منذ ما يقرب من عشر سنوات كما لم تسجل أي حالة وفاة بسبب المرض منذ أكثر من عشرين عاما. وخلال جائحة كوفيد-19 وما تبعها من إجراءات تقييد حرية السفر من وإلى السلطنة انخفض عدد الحالات المسجلة بشكل كبير جدا فكانت جميع الحالات المسجلة عبارة عن حالات متعافية كان لها تاريخ مرضي سابق للإصابة بالمرض في بلد المغادرة.
دور المجتمع في الحفاظ على إنجاز استئصال الملاريا
بعد الجهود التي بذلت من قبل الحكومة ممثلة في وزارة الصحة في مجال استئصال الملاريا ينبغي الأخذ بعين الاعتبار بأن إمكانية عودة المرض لا تزال قائمة وذلك بسبب توفر العوامل مثل وجود ناقل المرض والطفيل المسسب له ومن هنا فإن الدور الأكبر يقع على عاتق المجتمع في الحفاظ على ما تم إنجازه حتى الآن وذلك من خلال ما يأتي:
تسهيل مهام فرق مكافحة الناقل.
تفريغ أحواض الزراعة مرة أسبوعيا على الأقل لكسر دورة حياة البعوضة الناقلة للمرض.
التخلص من التجمعات المائية وإزالة المستنقعات والتخلص من المخلفات قدر الإمكان.
تطبيق الإجراءات الاحترازية في المنازل مثل تركيب شبكات سلكية للحماية من البعوض على النوافذ.
استخدام المبيدات المنزلية قبل النوم.
الحرص على إخضاع العمالة الوافدة لفحص الملاريا عند ظهور أي أعراض أو عند العودة من السفر للمناطق التي تنتشر بها الملاريا.
مراجعة أقرب مؤسسة صحية قبل السفر لبلاد يتوطن بها الملاريا لتلقي النصائح الإرشادية والأدوية الوقائية.
مراجعة أقرب مؤسسة صحية للفحص بعد العودة من السفر من البلاد الموبؤة بالمرض في حالة ظهور أعراض المرض.
لذا تدعو وزارة الصحة جميع أفراد المجتمع بالنهوض بالأدوار المنوطة بهم للمحافظة على السلطنة خالية من الملاريا.