لعل من نافلة القول أنه ولله الحمد لدينا من الموظفين من لديهم الأمانة والقوة للقيام بحق الوظيفة المكلفين بها، والأمانة والقوة هما أساس أخلاقيات المهن في الشريعة الإسلامية، مصداقًا لما جاء في قوله تعالى، {قَالَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا یَـٰۤأَبَتِ ٱسۡتَـٔۡجِرۡهُۖ إِنَّ خَیۡرَ مَنِ ٱسۡتَـٔۡجَرۡتَ ٱلۡقَوِیُّ ٱلۡأَمِینُ} [سُورَةُ القَصَصِ: ٢٦]
وعند الحديث عن القوة فهي تعنى بمدى اعتبار الموظف العام كفء للقيام بالمهام الموكلة له، ولقد ربطها الفقهاء بمجال العمل نفسه، ذلك أن قوة القاضي في علمه وعدله وحكمته، وقوة الأستاذ في علمه وفهمه للمادة وقدرته على الشرح وإيصال المادة العلمية للطلاب بأسلوب سلس وبسيط، والجندي في شجاعته، وتدريبه، وإقدامه.
أما بالنسبة للأمانة من المنظور الإسلامي في أخلاقيات الوظيفة العامة، فهي الأمانة في مراعاة وقت العمل ووقت الإنجاز والأمانة في أداء العمل بإتقان وأمانة وعدل بين الناس، وبذل الجهد اللازم والكافي، والمحافظة على حسن السلوك، والأمانة في المحافظة على المال.
والقوة والأمانة لا تدرك إلا بخشية الله سبحانه وتعالى، والمتابعة، والمراقبة للعمل، وفهم العمل المطلوب وكيفية أداءه وما هي الأهداف المراد تحقيقها من تكليف الموظف بأداء العمل.
إن أكثر المشاكل التي تعود على المؤسسة تكون نتيجة لمخالفة الموظف لعنصري القوة والأمانة، ولعل البعض من الموظفين يعتقد أنه إذا مارس الضغط على الناس سيكون ناجحًا وستكون مؤسسته ناجحه، وهنا رأس البليه، لأن هذا مخالف للشرع الشريف، ففي باب “أمر ولاة الأمور بالرفق برعاياهم ونصيحتهم والشفقة عليهم والنهي عن غشهم، والتشديد عليهم، وإهمال مصالحهم” أورد المصنف -رحمه الله، أن السيدة عائشة -رضى الله عنها- قالت: سمعت رسول الله ﷺ يقول في بيتي هذا: “اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به”، رواه مسلم.
ونحن في مجتمعنا نسمع ونشاهد أن بعض الموظفين يتعامل بشدة وعنف بل أن بعضهم لا يرتاح حتى يرى التعب والانهاك والمشقة بادية على وجوه المراجعين، ولعله يريد بذلك أن تكون له وجاهة أو لعل ذلك من باب الحسد من عند أنفسهم أو لأي سبب آخر، ونحن ندعوا الجميع إلى الرفق بالناس وحسن التعامل معهم والرأفة بهم فالله غفور رؤوف رحيم.
وأيضًا يجب أن يكون التعامل وفقًا للمنهج الإسلامي مع الجميع، فليس في الإسلام فرق بين الناس إذ أن الجميع سواسية كأسنان المشط، كذلك فإن الجميع مطالب بمراعاة المنهج الإسلامي فالأب في بيته والأم مع زوجها وأبنائها والمعلم مع طلابه والشرطي مع الناس والقاضي مع طالبي العداله والمحقق مع من يجري معه التحقيق، والسجّان مع السجين، والموظف مع المراجع، والوزير مع موظفي الوزارة ومع المتعاملين معها والحاكم مع المحكوم عليهم، فالكل راع وهو مسؤول عن رعيته.
إن الموظف إذا طبق قواعد الشرع الشريف فإن ذلك سيعود أولاً بالنفع على الموظف بنفسه حيث أن المتعاملين معه سيرون فيه الأخ والصديق والرجل المخلص لنفسه ولوطنه وسيتعاملون معه باحترام وسيحد من الله الرضا، وسيعود ثانيًا على المؤسسة التي يعمل بها إذ سيكون الناس سعداء بنهج المؤسسة وبنهج موظفيها وسيكونون عونًا لها وداعمين لها، وسيعود ثالثًا بالنفع على المتعاملين مع المؤسسة إذ سيشعرون بالرضا عنها ويعلمون أن لهم حقوقًا ستصل إليهم وفقًا لما هو مرسوم لها من الطرق وأن عليهم حقوقًا سيؤدونها وفقًا لذلك، وستعود بالنفع على الجميع بإذن الله تعالى.
إنني أوجه النصح لنفسي قبل الآخرين، إذ يجب أن نتبّع الرفق في التعامل مع الناس وأن لا نضيق عليهم بقدر المستطاع، وأن نبحث عن سعادة أبناء سلطنتنا الغالية ومن يقيم بأرضها ففي ذلك سعادة وأمن ورخاء للوطن وللجميع.
ويجب أن نعلم ان انتهاج الموظف لأي سلوك ربما سيعود عليه سلبًا لأنه سيكون بمثابة أسلوب عمل سيطبق عليه، فهو في نهاية الأمر لا يعدو إلا أن يكون موظف وسيغادر كرسي الوظيفة إما إلى كرسي آخر أو إلى التقاعد أو لأي سبب آخر.
حفظ الله عُمان حرة أبيه، وغفر لوالدنا السلطان قابوس وأيد سلطاننا هيثم بالقوة والأمانة ورزقه البطانة الصالحة إنه ولي ذلك والقادر عليه.