تُعد صحراء أتاكاما، التي تبلغ مساحتها قرابة 40 ألف ميل مربع في غرب جبال الأنديز، أكثر الأماكن جفافًا على وجه الأرض، باستثناء الصحاري القطبية.
ومع عدم هطول الأمطار في بعض مناطق أتاكاما منذ عشرات السنين، لم يتكيف سوى عدد قليل من الثدييات مع تلك الظروف القاسية جدًا. وإن خلت المنطقة من الحيوانات فهذا لا يدل على خلوها من الحياة؛ إذ إن التربة نفسها ذات مؤشرات حيوية بارزة، تمامًا مثل قشور التربة البيولوجية في جنوب غرب أمريكا.
وقد درس باحثون من مركز أبحاث علوم الأرض الألماني (GFZ) النظم البيئية الميكروبية في وادي يونغاي، وهي أكثر المناطق جفافًا وقحطًا في صحراء أتاكاما معتمدين على تقنيات حديثة كالذكاء الاصطناعي الذي كان له دورٌ فعّال في عمليات البحث.
ولأننا الآن في عصر الذكاء الاصطناعي، فإن الباحثين وخاصة في المجال الطبي يستخدمونه للتحقق من ملايين المركبات المُرَشَّحة لتحديد المؤهلة منها في مقاومة وكبح البكتيريا الخارقة بفعالية؛ وهي سلالات البكتيريا والفيروسات والطفيليات والفطريات المقاومة للغالبية العظمى من المضادات الحيوية. وقد اعتمدوا في تدريب نموذج الذكاء الاصطناعي على البنية الكيميائية لآلاف المضادات الحيوية المعروفة ومدى نجاحها وفشلها في مقاومة البكتيريا في المختبرات. والأمر ذاته ينطبق على مركز أبحاث علوم الأرض الألماني إذ لجأ الباحثون هناك إلى استخدام نموذج الذكاء الاصطناعي وتدريبه لتحديد وتصنيف أنواع الأتربة المختلفة وتسهيل عمليات اكتشاف بنية التربة وخصائصها بسرعة وكفاءة.
وركزت الدراسات السابقة على متر واحد فقط من عمق التربة في وادي يونغاي، إذ كشفت أن طبقات التربة القريبة من السطح تمنح الكائنات المجهرية ملاذًا من الأشعة فوق البنفسجية للشمس مع توفير كمية كافية من المياه للبقاء على قيد الحياة.
ووفقًا لبحث نُشر في مجلة PNAS Nexus، أتاحت طريقة جديدة ومتخصصة في تحليل الحمض النووي الجزيئي (DNA) استعادة الحمض النووي داخل الخلايا وخارجها من عينات الرواسب نفسها. وهذه الطريقة ساعدت الباحثين في فهم الكائنات الدقيقة التي تعيش في أعماق تربة وادي يونغاي سواءً كانت نشطةً أم خاملة. وبعد تنقية الحمض النووي من العينات باستخدام الطاردات المركزية ومرشحات متناهية الصغر والدقة، استطاعوا تحديد الأنواع التي تنتمي إليها المادة الوراثية الميكروبية المكتشفة.
وعند عمق يصل إلى 80 سنتيمتر تحت سطح التربة، عثر الباحثون على بكتيريا من شعبة متينات الجدار (Firmicutes). ولكن بعد تجاوز هذا العمق، قلّ عدد المتينات بوضوح، مما يشير إلى أن التركيز العالي للملح وشح المياه الشديد يجعل من الصعب على المتينات البقاء على قيد الحياة.
وكشفت عينات التربة المستخرجة من عمق يبلغ مترين، عن وجود بكتيريا من شعبة الشعاويات أو الأكتينوبكتيريا (Actinobacteriota)، وهي كنز للمركبات النشطة بيولوجيًا وضرورية للأنظمة البيئية الكبرى وحتى للصناعات الدوائية.
وفي بيان من مركز أبحاث علوم الأرض الألماني (GFZ)، يفترض الباحثون أن الشعاويات استطاعت العيش في هذا العمق بفضل وجود الجبس أو الجص الحويصلي.
ولطالما تساءل العلماء عن قدرة البكتيريا على تجفيف الجبس وتحويله إلى معدن الأنهيدريت؛ وهو معدن من معادن الكالسيوم ويُعرف كيميائيًا باسم كبريتات الكالسيوم اللامائي، والاحتفاظ بماء الجبس لنفسها. وعادةً ما تتطلب عملية تجفيف الجبس درجات حرارة عالية تصل إلى 85 درجة مئوية، ومع ذلك، يعتقد الفريق أن التركيز العالي للملح والحرارة الشديدة في صحراء أتاكاما قد جعل هذه العملية ممكنةً للغاية.