أتيحت لي فرصة تجربة الإبحار عبر السفن السياحية التي كانت بالنسبة لي حلم يراودني ومشروع ما بعد التقاعد، بحمد الله وتوفيقه تحقق هذا الحلم وإن جاز التعبير حلم العمر أن تعيش ولو بضعة أيام معدودة في مدينة عائمة تجوب بك البحار والمواني ولا بأس إن كان ذلك في نطاق ومحيط دول الخليج العربية، هنا استذكرت ما قرأته وما سمعته وما اطلعت عليه عن رحلات وأسفار الأجداد في قديم الزمان والمعاناة التي يمرون بها طيلة فترة الإبحار في سبيل البحث عن الرزق والعيش والحياة الكريمة والتجارة إلى حد ما.
اليوم وقد تبدل الزمان وتغيرت الأحوال وأصبح السفر بحراً على ظهر السفينة أسهل من السفر براً وجواً (كما وصفت لي سائحة من جمهورية كازاخستان) وهي تتنقل وتبحر من بلدٍ إلى بلد دون أن تواجه أي صعوبة أومعاناة، فمع عصر التقدم والتطور في عالم السفر والإبحار ووجود التقنية والعلوم الحديثة الأخرى لم تعد هناك أي مقارنة بين ما تكبد به الربابنة والبحارون والمسافرون حيث نعيش اليوم طفرة علمية وثورة معلوماتية وسط عالم يأتينا كل يوم بجديد يبسط لنا الحياة في شتى مناحيها بل يدهشنا ويبهرنا في التأمل إلى ماهو القادم، والقادم أجمل دائماً إن شاء الله تعالى.
تجربة أقل ما توصف بأنها جميلة جداً أمضينا فيها سبع ليالٍ في إحدى أكبر وأفخم وأرقى السفن الفندقية السياحيو العملاقة الفاخرة حيث تضم حديقة مائية و١٣ مسبحا وحوض استحمام ساخنا و١٣ مطعما و١٩ قاعة ترفيهية ، صممتها أفخم الشركات الرائدة في مجال صناعة السفن المتخصصة في هذا الجانب وإذا ما تطرقنا لذكر بعض مزايا هذه المدينة العائمة الذكية المتنقلة والتي يمكن أن تدار محركاتها بالغاز الطبيعي والمجهزة بأحدث الابتكارات التكنولوجية المصممة وذلك لتقليل الآثار البيئية على الحياة البحرية، يبلغ طول السفينة ٣٣٧ متراً وعرضها ٤٢ متراً وتظم ١٩ طابقاً يشمل الإقامة ومختلف الخدمات.
لم أجد لهذه السفينة أي غلطة في صناعتها ابتداء من جوانب الأمن والأمان والسلامة مروراً بالفخامة والجودة والدقة والحرفنة في تصاميم جميع أجزائها أو المرافق التي بها كالمطاعم الفاخرة ومختلف المرافق الخدمية ومرافق التسلية والترفيه، وإذا ما عرجت للأثاث المستخدم في الغرف أو باقي المرافق الخدمية فربما لن أوفي هذه المدينة الساحرة العائمة حقها وعن ١٦٠٠ موظف في خدمة الكم الهائل والكبير الذي يتنفس على ظهر السفينة والذي يصل أحياناً إلى ٦٥٠٠ راكب على مدار الساعة دون كلل أو ملل من خلال ما يقدم من برامج وأنشطة وفعاليات متنوعة وبشكل يومي.
انطلقت السفينة من ميناء السلطان قابوس السياحي بمطرح ماخرة عباب بحر عُمان بمحركاتها العاتية مروراً بمواني دول الخليج العربية لتلتقط أنفاسها بعد رحلة استمرت مايقارب ١٤ ساعة في عرض البحر دون أن نشعر بذلك لتتوقف في أكبر مواني دبي السياحية (دبي هاربر) قبالة مارينا دبي تلك المدينة الحية النابضة بالحياة والإطلالة الرائعة وسط البنيان الشاهق المعانق للسحاب وتحت مرأى عين دبي حارس الميناء، ما شدني في هذا الميناء وأود التطرق إليه على سبيل المثال وليس للمقارنة ألا وهو مبنى المسافرين الفخم والراقي الذي يستقبلك من بوابة السفينة عبر خراطيم تقودك مباشرة لإنهاء الإجراءات السهلة والسلسة لدخول دولة الإمارات العربية المتحدة عبر منضدتي الجوازات والجمارك ثم تبهرك صالات الانتظار وما بها من مرافق وخدمات وصولاً لخارج المبنى المرتب والمنسق من حيث كل الخدمات التي يبحث عنها السائح للوصول إلى دبي.
بعد ثلاث ليالٍ قضيناها في مدينة دبي عادت السفينة وأبحرت ليلاً إلى العاصمة أبوظبي مدة ٩ ساعات لتتوقف في ميناء الشيخ زايد لساعات معدودة أتيحت لنا فرصة النزول إلى مدينة أبوظبي عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة عبر هذا الميناء الكبير الذي لا يقتصر على السفن السياحية فقط وإنما يحوي بجنباته وأرصفته مواني تجارية عديدة تخدم الأسواق المحلية والعالمية إذ يلبي هذا الميناء الكبير جميع احتياجات المواطنين والمقيمين من حيث عرض جميع السلع التي تأتي من الخارج وقد خصص لها أسواقا منفردة ناهيك عن الخدمات القريبة من مرسى السفينة التي تغنيك عن الخروج بعيداً بدأً من صالة وصول ومغادرة ركاب السفينة التي تتماشى مع الطفرة الحضارية والعمرانية التي تشهدها دولة الإمارات العربية المتحدة في مختلف الجوانب مروراً بباقي الخدمات القريبة.
وفي ليلة قمرية مع ارتخاء سدول أمواج بحر أبوظبي مضت بنا السفينة مبحرة لمدة ١٤ ساعة لتصل بنا مع شروق شمس الدوحة الدافئة إلى ميناء الدوحة بدولة قطر لتأذن لنا أن نعود لهذه المدينة ونحن نستذكر كأس العالم قطر ٢٠٢٢م وكأس أسيا ٢٠٢٣م والكثير من الفعاليات التي تستضيفها دولة قطر الشقيقة، لن أبالغ في وصف هذا الميناء بل لن أوفيه حقه حيث بالأمس كان شاهداً على رسو أكبر السفن السياحية الفندقية الفخمة وهي تحمل العدد الكبير من الجماهير التي حضرت لمشاهدة مباريات كأس العالم قطر ٢٠٢٢م فماذا نتوقع من ميناء عالمي يحوي في كل رصيف من أرصفته من المرافق الخدمية المميزة ناهيك عن صالة الوصول والمغادرة والتي تفوق مطارات ومواني دول عديدة من حيث التجهيزات والخدمات التي لازلنا في انتظار وصولها إلى ميناء السلطان قابوس السياحي بسلطنة عمان منذ الإعلان عن مشروع تجديد وتحسين الواجهة البحرية للميناء وللخدمات المقدمة به ناهيك عن المرافق التي أصابها الصدى منذ العام ٢٠٠٦م إلى يومنا هذا والتي تهالكت وأصبحت لا تخدم الاستقطاب السياحي ولا تعزز من الرؤية المستقبلية السياحية في السلطنة ومثلما يقول المثل العماني *الحي يحييك والميت يزيدك غم*.
إذاً إذا ما أردنا أن نجعل من هذا الميناء الكبير اسما على مسمى والذي يحمل اسم عزيز وغالٍ علينا اسم قائد وباني نهضة عمان السلطان قابوس رحمة الله تعالى عليه وطيب الله ثراه فعلينا الإسراع في الانتهاء من هذا المشروع بجد ومتابعة وحزم بعيداً عن كل ما يشوب ذلك.
بعد أن أمضينا وقتا قصيراً في الدوحة عادت بنا السفينة إلى مسقط نحو ما يقارب ٣٦ ساعة من الإبحار بين الخليج العربي وبحر عمان وكنا نمني النفس ونحن نمر مرور الكرام عبر بوابة عمان الشمالية محافظة مسندم ونحن ندخل عبر حارسها وخنجرها مضيق هرمز أن نتوقف ولو لبضع ساعات لكي نقف إجلالاً لهذا الممر والمضيق المائي ولكي نُعرِّف من بالسفينة عن موقع هذا المضيق وأهميته.