الكل راوده شعور مختلف تمامًا عندما اجتاح هذا الفايروس العالم دون سابق إنذار ولم يطرق الأبواب بل دخل بوجه يشوبه الغرور والعُلو، جاء ليثبت نفسه بذلك الجسد كأنه عملاق من عمالقة الزمان مما ولد في نفوسنا الرعب والخوف والكثير من التساؤلات التي تصحبها ماذا لو؟! ماذا لو أنني أصبت به أو أصيب به أحد أفراد عائلتي؟! ماذا لو فقدت وظيفتي أو إنهار مشروعي؟ ماذا لو أن دراستي توقفت إلى الأبد؟ ماذا لو انفطأ الأمل بداخلي وأصبحت أسيرة الجدران؟
قد يكون هذا الفايروس قوي لدرجة أنه قد سلبنا حياتنا ولكن بمقدورنا أن نتفوق عليه بأن لا نعطيه دور البطولة التي يحلم بها ونرتدي أمامه حُلي من الخوف البّراق، حتمًا يجب علينا توخي الحذر منه بأن نلبس ثوب الوقاية وأن نفكر في أنفسنا وأنّ بمقدورنا أن نستمتع في ظل هذه الظروف القاسية.
لنتمعن قليلاً كيف أننا أصبحا يدًا واحدة في هذه الجائحة مما يجعلنا نستشعر التغير الكبير الذي أحدثه فيروس كورونا وهو أن الأفراد فهموا واجباتهم الأساسية للدفاع عن الوطن وتقديم الخدمة الوطنية عندما يُطلب منهم ذلك تجاه المجتمع واتباعها أيضًا مما أدى إلى رفع الوعي الفكري لدى الفرد اتجاه بلده وما يقدمه أبناء الوطن من رجال الشرطة والأطباء والمتطوعون وغيرهم لحماية الجميع من هذا الفايروس الخطير ويخاطرون بحياتهم لأداء واجباتهم التي يفتخر بها.
كذلك أُنيرت البيوت ببهجة أهلها وأبناها تحت سقف واحد دون مغادرة المنزل لساعات طويلة يتأملون بعضهم البعض منهم من اشتاق إلى أبيه الذي رحل إلى طلب لقمة العيش وعاد بسبب هذه الجائحة لدرجة أنني سمعت أحد الأمهات تقول بأن أبنائها سألوها: ” هل حقًا سيلعب أبي معنا دائما؟!” تقول مردفة، تنهدت تنهيدة توحي مدى حزنها وسعادتها في آن واحد بصوت ثابت: ” نعم يابني والدكم سيبقى معنا لفترة طويلة”.
لقد أدركنا أننا نتسابق مع الوقت في مضمار التحدي مما أوجب علينا اغتنامه وتحديد أهدافنا وأولوياتنا التي قد تصنع فرقًا شاسعًا في المستقبل، فعن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “نِعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من النَّاسِ: الصِّحَّةُ والفراغُ” [البخاري:6412]. وعلى ذلك انقسم الناس إلى قسمين منهم ما كان يومه شبيهًا بالأمس فلا فرق يصنعه أو عملاً يُتقنه، أما القسم الآخر والتي أتمنى أن تزداد هي التي وضعت بصمة حقيقه لها فعلاً، على سبيل المثال الأستاذة الفاضلة سلوى العريمي هي إمراة في العقد الأربعين من العمر تقاعدت منذ بضع سنين وأدركت في هذه الجائحة أن عليها أن تفعل شيئا مميزًا تحبه ووجدت أن مشروع تحفيظ القرآن الكريم للجاليات الهندية هو ما تريده وبالفعل أخبرت صديقتها بهذا الأمر وساعدتها على ذلك والآن هي معلمة للقرآن الكريم لأكثر من عشرين فتاة من هذه الجالية على منصة زوم التعليمية ومما أشعرها بالفخر حقًا هو تقديم الخير في مجتمعها.
ختامًا، أعطتنا هذه الجائحة درسًا مهمًا وهو “ألا ننسى قوتنا وضعفنا وأن نضع الأمور في نُصبها الصحيح وأن نكون مستعدين لأي أزمة كانت.